تخطي التنقل

Monthly Archives: ماي 2013

المَوْت الخَلَوي

Cell Death

الموت الخلوي هو أحد أسرع المجالات نمواً في أبحاث السرطان. و أصبح معروفاً الآن بشكل جيد أن إحدى الخصائص الأساسية في الكائنات متعددة الخلايا هو وجوب موت بعض الخلايا كي يتطور الكائن الحي بالشكل الصحيح و كي يحافظ على توازنه و صحته. إن هذا الميل للموت لمصلحة الكائن الحي يحدث من خلال تفكُّك ممنهج للخلايا عبر إستجابة أطلق عليها الموت الخلوي المبرمج Programed cell death (PCD). إن أعداد الخلايا في الكائن الحي تحت سيطرة مُحكمة من خلال توازن رائع بين التضاعف الخلوي و تمايز الخلايا من جهة و الموت الخلوي من جهة أخرى. و في الواقع، ففي الثدييات، فإن آلآف الملايين من الخلايا الطلائية و خلايا الدَّم تموت يومياً. و من الظاهر، فإن ضخامة الموت الخلوي في الكائنات متعددة الخلايا يبدوا أنها مجرد هدر كبير لا حاجة له. إلا أن هذه العملية تلعب أدواراً هامة في الحفاظ على الإتزان الذي يضمن محافظة أنسجة الفرد على أحجامها الصحيحة و وظائفها المناسبة.

يمكن أن تخضع جميع الخلايا حقيقية الأنوية لإستجابة الموت الخلوي و التي يمكن تحفيزها من خلال مُحفِّزات داخل الخلية أو من خارجها. أحد الأمثلة الهامة لهذه الظاهرة تشاهد في تطوُّر الفقاريات أثناء عملية نحت الأصابع، حيث تموت الخلايا ما بين الأصابع في عملية موت إنتقائية. مثال آخر كذلك، هو التخلُّص من الخلايا اللمفاوية التي تستجيب للأنتيجينات الذاتية. يتم تصنيع مولدات خلايا الدَّم بشكل مستمر بكميات فائضة في نخاع العظم؛ بالرغم من ذلك، فإنه يتم التخلُّص من هذه الخلايا المولِّدة وذراريها عبر آلية الموت الخلوي المُبرمج، و هذا يمنع زيادة إنتاجها و يحول دون الحالات المرضية التي تنشأ عن ذلك مثل أمراض اللوكيميا و اللمفوما، أو زيادة إنتاج كريات الدَّم الحمراء.

إذاً من الضروري وجود إتزان بين التضاعف الخلوي و تمايز الخلايا من جهة و موتها من جهة أخرى. و في الواقع، فإن إختلال هذه الإتزان سوف يؤدِّي إلى تنشيط الأمراض.
تصف كلمة الموت الخلوي المبرمج (Apoptosis)، إغريقية الأصل، طريقة سقوط بتلات الزهور أو أوراق الأشجار. و قد تم إقتراح هذا المصطلح لأول مرة عام 1972 من قبل Kerr وزوملاؤه لوصف مسار معقد من الموت الخلوي المبرمج. و بالرغم من أن ظهور مثل هذا المسار قد تم توقعه مسبقاً، إلا أن فكرة موت الخلية بشكل مُنظَّم و طوعي وجدت صعوبة في تقبُّلها بداية الأمر. يتميز الموت الخلوي المبرمج بعدد من المظاهر تشمل إنكماش الخلية، إضافة إلى ظهور نتؤات أو براعم (blebs) على الغشاء الخلوي و تكثُّف المادة الكروماتينية داخل النواة مع حدوث تجزُّء لجزيء DNA.

إن الصفة المميزة للسرطان هي قدرته على مقاومة الموت الخلوي. و إن مقاومة الخلايا السرطانية للموت الخلوي ليست كاملة، إلا أنها تهيّء قدرة إضافية لبقاء هذه الخلايا حية تحت ظروف مُعيَّنه من الضغوط على الخلية. تتمثَّل هذه الضغوط في الوسط الدقيق حول الخلية السرطانية. و يشمل ذلك في العادة نقصان كمِّية الأكسجين، أو نقص المواد الغذائية، أو عند تعرض الخلايا السرطانية إلى مركبات العلاج الكيميائي أو التعرض للإشعاع. و بشكل عام، فإن العقبة الرئيسية في علاج السرطان هي عدم القدرة على القضاء على الخلايا السرطانية بشكل إنتقائي من بين الخلايا الطبيعية غير المريضة.
إن إكتساب الخلايا السرطانية مقاومة للموت الخلوي المبرمج هي السمة البارزة في المرحلة المتأخرة للإنتشار الورمي الخبيث. و في الحقيقة، فإن معظم الأثار الجانبية للعلاجات الكيميائية التقليدية تنشأ من إستحثاث الموت الخلوي المبرمج في الأنسجة الآخذة في الإنقسام بشكل طبيعي، مثل خلايا الأمعاء و خلايا نخاع العظم. و لهذا، فإن فهم الآليات الجزيئية التي تستحث الموت الخلوي تعتبر ضرورية لتطويرعلاجات كيميائية جديدة تمتلك فاعلية في علاج السرطان و الوقاية منه.

لقد أدَّت الدراسات بواسطة المجهر الإلكتروني على الخلايا التي تخضع للموت الخلوي إلى تصنيف ثلاثة أنواع مختلفة – على الأقل- من الموت الخلوي و التي يمكن تميزها مظهرياً. و تشمل مسارات الموت هذه، الموت الخلوي المُبرمج (Apoptosis)، البلعمة الذاتية (Autophagy)، و الموات الخلوي (الموت الخلوي العرضي Necrosis). و في حين يقوم الموت الخلوي المبرمج و البلعمة الذاتية على تحطيم الخلية من الداخل، فإن الموات الخلوي يتسبب في فقدان سلامة غشاء البلازما مُطلقاً المكونات الداخلية للخلية إلى الوسط الخارجي. و من المعروف أن هذه المسارات الثلاثة يتم السيطرة عليها بشكل مُحكم، مما يلعب دوراً أساسياً في تطوُّر الكائن الحي و الحفاظ عليه. إضافة إلى لعب هذه المسارات الخاصة بالموت الخلوي أدواراً هامة كذلك في حالات مرضية، مثل تحلُّل الأعصاب (neurodegenerative)، الإصابات الميكروبية الحادة، أمراض المناعة الذاتية، إضافة إلى السرطان. و في مثل هذه الحالات، فإن وظيفة هذه المسارات تُملي إحتمالية بقاء الكائن الحي على قيد الحياة أو موته. ومن هذا المنطلق، فإن الطفرات في المادة الوراثية الخاصة بهذه المسارات، التي تُسيطر على موت الخلية، قد أظهرت دورها الكبير في الحالات المرضية و بشكل خاص فيما يتعلق بتطوُّر السرطان و مقاومته للعلاجات الكيميائية.
و على النقيض من الموت الخلوي المبرمج، فإن الموت الخلوي العرضي Necrosis (أو الموات الخلوي) يحدث كنتيجة للإصابات غير المقصودة سواء كانت إصابات ناتجة عن المواد الكيميائية أو الحروق أو نقص وصول الأكسجين للأنسجة. و في هذا الموت الخلوي العرضي، فإن الخلايا تنتفخ ومن ثم تنفجر مطلقة محتوياتها بشكل عشوائي إلى الوسط المحيط. إن الأسباب التي تعمل على تحفيز الموت الخلوي المبرمج أو الموات الخلوي (الموت الخلوي العرضي) و الخصائص التي تصاحب كل منهما تختلف بشكل كبير؛ مما حدا بالإعتقاد أن كل منها هو حدث مستقل بذاته تماماً. بالرغم من ذلك، فإن الموت الخلوي المبرمج و الموت الخلوي العرضي قد بديا أكثر تشابهاً في العمليات التنظيميَّة لهما أكثر مما كان يُعتقد سابقاً، حيث يتشاركا في العديد من المسارات الخاصة بالإشارات الخلوية. و يظهر هناك في العادة توازن محكم بين كلا النمطين من الموت الخلوي، و إن المحصِّلة النهائية و العواقب التي قد تلحق بالكائن الحي قد تكون مختلفة كُلِّيَّة إعتماداً على المسار الخلوي الذي تم إنتهاجه حتَّى النهاية.

آليات الموت الخلوي المبرمج

إن الذي يمنح الموت الخلوي المبرمج أهميته و صعوبته في الدراسة في ذات الوقت. هو تعدد المسارات الخاصة به. هناك عدة آليات للموت الخلوي المبرمج، و إن أيٍ من هذه الآليات على حده تكون كافية لتنشيط الموت الخلوي. و لكل مسار من هذه المسارات العوامل الخاصة به و التي تعمل على تنشيطه أو تثبيط نشاطه. ففي وجود بعض المثبطات المتخصصة لأحد هذه المسارات، فإن أحداث الموت الخلوي تستمر من خلال آليات مسارات أخرى.

يمكن تحفيز الموت الخلوي المبرمج عبر أحد مسارين. المسار الخارجي، و الذي يتم من خلال توسُّط مستقبلات خارجية على أسطح الخلايا. و تُعرف هذه المستقبلات بمجملها ب “مستقبلات الموت Death receptor” و التي ترتبط إلى العديد من المركبات خارج الخلية التي تقوم بتنشيطها. تتبع مستقبلات الموت (DR) هذه إلى عائلة العوامل المُحلِّلة للأورام “tumor necrosis factors”. , أحد هذه المستقبلات المعروفة بشكل جيد في هذه العائلة الكبيرة هو Fas/CD95 و الذي يرتبط الي المركب المحفِّز له FasL/CD95L. و بمجرد الإرتباط يتفاعل هذا الزوج مع مجال الموت المرتبط مع Fas (Fas-associated death domain) (FADD) داخل الخلية. و عند هذه المرحلة، يُصبح المعقد جاهزاً لتنشيط مسار الموت الخلوي داخل الخلية.

هناك مجموعة من البروتينات التي لولاها لما تمَّت عملية الموت الخلوي المبرمج. يُطلق على هذه البروتينات “الكاسبيسات” Caspases. و حتى الوقت الراهن، تم تعريف حوالي 14 من هذه البروتينات. لبعض هذه البروتينات دور كذلك في تنشيط السيتوكينات. و قد يكون لها دور مزدوج في كل من الموت الخلوي المبرمج و في عمليات التطوُّر و التمايز الخلوي في الكائن الحي. و من منظور الموت الخلوي المبرمج، فإنه يمكن تصنيف بروتينات الكاسبيسات إلى تلك المنشِّطة و الفاعلة؛ ليس فقط على أساس وظائفها، بل أيضاً على أساس الإختلاف في تركيبها.

يتم حفظ و تخزين هذه البروتينات الإنزيمية داخل الخلايا على صورة غير فاعلة (زايموجينات Zaymogens). و يتم تفعيل الكاسبيسات الفاعلة عبر شطرها عند الحمض الأميني الأسبارتيك. يُطلق على المسار الداخلي للموت الخلوي المبرمج بمسار الميتوكندريا، و ذلك لدورها في تفعيل الموت الخلوي المبرمج. و يعتبر تحطُّم جزيء DNA هو المُحفِّز الإبتدائي للموت الخلوي المبرمج من خلال الميتوكندريا. إلا أن أسباب أخرى من الإجهادات الخلوية، إضافة إلى العديد من بروتينات الموت الخلوي المبرمج، يمكن أن يكون لها نفس التأثير. إن الآلية التي تستطيع من خلالها الميتوكندريا إشعال شرارة الموت الخلوي المبرمج تتم بشكل أساسي من خلال مركب سيتوكروم C.

إن بروتينات الكاسبيس المختلفة التي تدخل في عملية الموت الخلوي تكون في الغالب إختيارية لأحد مساريّْ الموت الخلوي المبرمج. إذ يرتبط المعقَّد FADD بشكل تفضيلي مع Caspase 8 و يعمل على تنشيطه. يعمل Caspase 8 النشط من ثَمَّ على تنشيط Caspase 3 و هو ما يُعزِّز من قوة إشارة الموت الخلوي المبرمج. على النقيض من ذلك، فإن مسار الميتوكندريا، على النقيض من المسار الخارجي، يعتمد على قابلية سيتوكروم C للإرتباط بالعامل المنشِّط للموت الخلوي المبرمج (Apoptotic protease activating factor Apaf) و Procaspase 9. يُطلق على هذا المُعقَّد إسم “Apoptosome”، و لهذا المعقَّد القدرة على تنشيط Caspase 3.

يظهر سيتوكروم C بشكل طبيعي مرتبط بشكل ضعيف بالغشاء الداخلي للميتوكندريا. بالرغم من ذلك، فإن سيتوكروم C هو لاعب أساسي في مسار الموت الخلوي المبرمج عند إنطلاقه من الميتوكندريا. و يمكن أن يُحفِّز سيتوكروم C الموت الخلوي المبرمج مباشرة عند حقنه داخل الخلية، متجاوزاً الإشارات ما قبل الميتوكندريا اللازمة لتحفيز الموت الخلوي المبرمج.

و إضافة إلى السيتوكروم C، تطلق الميتوكندريا العديد من العوامل التي لها القدرة على التداخل في مسار الموت الخلوي المبرمج. و إن نمط و خصائص الموت الخلوي يختلف بين العديد من المحفزات، حتى بين إثنين من المحفزات التي تسبب نفس النمط من الموت الخلوي.

دور مركَّب ATP في الموت الخلوي المبرمج

يُعتبر وجود مركب ATP ضروري في العديد من الأحداث الخاصة بالموت الخلوي المبرمج. إن وجود أو غياب مركب ATP له تأثير كبير فيما إذا كان الموت الخلوي سوف يتقدَّم إلى موت خلوي مبرمج بدلاً من موت خلوي عرضي. و يُعرف عن بعض الأحداث في الموت الخلوي المبرمج أنها تعتمد على مركَّب ATP. و تشمل هذه الأحداث حركة الكروماتين في محيط النواة، و تكوين الأجسام البرعمية Apoptotic Bidies))على سطح الخلية، إضافة إلى تكوين المركب Apaf.

النظرية التي تربط مسار الموت الخلوي المبرمج في الخلايا بكمية ATP المتاحة قد أُقترحت في عام 1996. و منذ ذلك الوقت تمَّ تأكيد هذه النظرية بالعديد من التجارب. و عند المعالجة بمركب يؤدي – بشكل كلاسيكي- إلى حدوث الموت الخلوي المبرمج، فإن الخلايا التي إفتقرت إلى مركب ATP تحوَّلت إلى الموت الخلوي العرضي. إلا أن إستعادة مركب ATP، إما بواسطة تحلل الجلوكوز Glycolysis، أو من خلال إنتاجه من قبل الميتوكندريا، أدَّى إلى الحيلولة دون حدوث الموت العرضي Necrosis))، و سمح بإستمرار حدوث الموت الخلوي المبرمج. ما تعنيه هذه المشاهدات هو أن كل خلية سوف تبدأ الموت الخلوي المبرمج أو العرضي إستناداً إلى مقدار محتواها من الطاقة. و هذا ما قد يشرح وجود كلا النوعين من الموت الخلوي في الأنسجة. و إستناداً إلى مقدار ATP في الخلية، فإن ذلكقد يشرح كيفية إختلاف الموت الخلوي مع جرعات مختلفة لنفس المحفِّز الضَّار. على سبيل المثال، فإن الخلايا التي تتعرض إلى تركيزات منخفضة من مركب فوق أكسيد الهيدروجين (H2O2) يحدث فيها تغير طفيف في مقدار ATP، كما خضعت الخلايا في هذه الحالات إلى الموت الخلوي المبرمج. في حين أن الخلايا التي تعرَّضت لتركيزات عالية من مركب فوق أكسيد الهيدروجين بحيث نضبت كمِّية ATP داخل الخلية، فإن الخلايا خضعت للموت الخلوي العرضي. بالرغم من ذلك، فإن الخلايا التي تعرضت إلى الجرعات المُحفِّزة للموت الخلوي العرضي من مركب فوق أكسيد الهيدروجين (أي الجرعات المرتفعة)، و في ذات الوقت تمَّ إمداد الخلية بمركب ATP، من خلال إضافة مركب الجلوتامين، وُجد أن هناك زيادة كبيرة في أعداد الخلايا التي تموت بطريقة الموت المبرمج. و من المدهش أن الخلايا قد تبدأ موتها كموت خلوي مبرمج، إلا أنها قد تتحول إلى الموت الخلوي العرضي إذا لم تتوفر كمية كافية من مركب ATP. و يُطلق على الموت الخلوي العرضي الذي يعقب الإنقطاع في مركب الطاقه ATP في الخلية بالموت الخلوي العرضي الثانوي Secondary Necrosis، حيث من المحتمل أن يبدأ الموت الخلوي كحدث مبرمج، إلا أنَّه يتحول إلى موت خلوي عرضي عند النقطة الحرجة التي تصبح فيها الطاقة الخلوية غير متوفره. إن توقيت إنقطاع الطاقة من الخلية و التحوُّل من الموت الخلوي المبرمج إلى الموت الخلوي العرضي يصبح ذو أهمية، إذ يُحدد النسبة النهائية للخلايا الميِّته عن طريق الموت الخلوي العرضي، و هذا بالتالي يحدد خطورةالإلتهاب و تحطُّم الأنسجة.

البديل للموت الخلوي

عقب الضغوطات الفسيولوجية أو البيئية، تتكمن الخلية من الدخول مسار الشفاء، و هو ما يُطلق عليه إستجابة الصدمة الحرارية، أكثر من دخولها مسار الموت الخلوي المبرمج. إن العوامل المؤثرة في مسار الصدمة الحرارية هي مجموعة من البروتينات، بروتينات الصدمة الحرارية، و هي تمثِّل مجموعة من البروتينات التي يتم تصنيعها بشكل عاجل كإستجابة للضغوط الخلوية. كما أن لهذه البروتينات دور في الحيلولة للجوء الخلية إلى وسيلة الموت الخلوي المبرمج. لبروتينات الصدمة الحراريه هذه العديد من التأثيرات على الخلية بما في ذلك تثبيط سيتوكروم C أو عبر الإخلال بالجسم القاتل (Apoptosome) أو عبر التداخل مع مركب Apaf، و مع إستقدام مركب Procaspase 9، و التأثير المباشر على caspase 3 و Caspase 9 و تثبيط عملية الموت الخلوي المستحثة من خلال TNF. و إن التأثيرات القوية لبروتينات الصدمة الحرارية تسمح للخلية المتأثرة بإسترجاع وظائفها.

التغيرات المظهرية على الخلايا في الموت الخلوي المبرمج

تُظهر الخلايا الخاضعة للموت الخلوي المبرمج تغيرات مميزة و ثابته في مظهر الخلية و يشمل ذلك حدوث إنكماش في الخلية، و إعادة تركيب الغشاء الخلوي، تفكك العضيات الخلوية، تكثُّف للمادة النووية، و تجزُّء لجزيء DNA. و يصبح للخلية القدرة على تجميع أجزائها داخل وحدات يطلق عليها أجسام الموت أو “Apoptotic bodies” و هي عبارة عن حويصلات مرتبطة بالغشاء الخلوي تحتوي على المكونات الخلوية. و على النقيض من ذلك، فإن الخلايا التي تخضع للموت الخلوي العرضي، فإنها تنفجر و تنطلق مكوناتها الداخلية إلى الوسط المحيط. و سوف تقوم الخلايا اللاقمة أو حتى الخلايا المجاورة بالتخلُّص من بقايا الخلايا الميِّته، سواء أكانت آلية الموت قد تمت من خلال الموت المبرمج أو الموت العرضي.

و في حين تمتلك الخلايا الحيَّة إنحدار إلكتروكيميائي خلال الغشاء الخلوي (من خلال مضخة تبادل أيونات الصوديوم/البوتاسيوم)، فإن الخلية الحيَّة يجب أن تحافظ على تعادلها الأسموزي للحيلولة دون حركة جزيئات الماء غير المرغوبة و بالتالي التغير في حجم الخلية. و أثناء الموت الخلوي المبرمج، فإن كمية كبيرة من الصوديوم و البوتاسيوم داخل الخلية سوف تغادر الخلية إلى الخارج، و هذا ما يُعتقد أنه – على الأقل- السبب وراء فقدان الخلية المتأثرة لحجمها بسبب خروج الماء من الخلية. بالرغم من ذلك، فإن منع الجزيئات التي تحمل الشُحَن الموجبة من مغادرة الخلية، و بشكل خاص مع خروج البوتاسيوم، يمكن في الواقع أن يُثبِّط تنشط الكاسبيسات و بالتالي إعاقة الموت الخلوي المُبرمج. و هذا يدل على مدى أهمية حركة الأيونات في تنظيم تسلسل الموت الخلوي المبرمج. إضافة لذلك، فقد شوهد إنكماش الخلية قبل وجود الأحداث الخاصة بالموت الخلوي المبرمج، مثل تنشيط Caspase 3 أو تجزُّء ال DNA. و يبقى السؤال، فيما إذا كان إنكماش الخلية بحد ذاته هو الذي يُحفِّز الموت الخلوي المبرمج أو أن حركة الأيونات من داخل الخلية إلى خارجها هي الخطوة الأهم، و أن عملية الإنكماش الخلوي ما هي إلا مجرد تأثير ثانوي.

و على النقيض من الموت الخلوي المبرمج، فإن الحدث الأكبر في الموت الخلوي العرضي هو إنتفاخ الخلايا. و لأن الموت الخلوي العرضي هو في الغالب الأعم بسبب عدم توفر مركب ATP، فإن الإختلال الأيوني في الخلية يرتبط مع فشل آلية الضخ الأيوني التي تحافظ في العادة على إتزان العبور الأيوني. إن دخول الصوديوم و خروج البوتاسيوم يحدث في كل من الموت الخلوي المبرمج و الموت الخلوي العرضي، إلا إن المحصلة النهائية في الموت الخلوي المبرمج هي بالإجمال فقدان الصوديوم.

في الموت الخلوي العرضي، فإن غياب مركب ATP من الخلية لن يسمح بإستمرار عمل إنزيم NA/k ATPase، و هذ سوف يؤدي إلى تراكم الصوديوم داخل الخلية. و في نهاية المطاف، فإن الصوديوم الآخذ في التدفق إلى داخل الخلية سوف يخلق إنحدار أسموزي يعمل على إنتفاخ شديد في الخلية ومن ثم إنفجارها. و بالرغم من أن تقلص حجم الخلية قد لا يكون مطلباً ضرورياً للموت الخلوي المبرمج، فإن إنتفاج الخلايا هو المظهر المُميِّز للموت الخلوي العرضي، و يؤدِّي ذلك إلى إنطلاق المحتويات الخلوية في الوسط المحيط، و هو ما يحفِّز حدوث الإلتهاب الموضعي و حدوث تضرر للأنسجة المحيطة.

التغيرات التي تطرأ على الغشاء الخلوي في الموت الخلوي المبرمج

لقد تم دراسة التغيرات التي تطرأ على الغشاء الخلوي أثناء عملية الموت الخلوي المبرمج. إن من أهم التغيرات الثابتة التي تطرأ على الغشاء الخلوي أثناء عملية الموت الخلوي المبرمج هو فقدانه لتناسقه و الذي يتم في الغالب من خلال إنزيم Aminophospholipid translocase. تتقلص وظيفة هذا الإنزيم في الموت الخلوي المبرمج مما يسمح بتغير موقع المركب Phosphatidyleserine (PS) من طبقة الدهون الفسفورية الداخلية للغشاء الخلوي إلى الطبقة الخارجية، و من المحتمل أن يكون ذلك من قبل إنزيم Phospholipid scramblase. و تعتبر هذ التغيرات حدث مبكر و فريد في تتابعات الموت الخلوي المبرمج، و تسبق التغيرات التي تطراء على النواة و التغيرات التي تحدث داخل الخلية.

إن تغير موقع المركب (PS) من الداخل إلى خارج الخلية هو حدث في غاية الأهمية لسببين. الأول، يعمل PS كدليل على الغشاء الخلوي يسمح بتعريف الخلية الخاضعة للموت الخلوي المبرمج و التعرف عليها بواسطة مستقبلات على الخلايا اللاقمة. و حيث أنه تم قبول هذا الحدث على أنه مرحلة مبكرة خاصة بالموت الخلوي المبرمج، فإنه قد تم تطوير إختبار للتميز بين هذا الموت الخلوي المبرمج المبكر من تلك الخلايا التي ما تزال فاعلة، و تلك الخلايا التي تضررت أغشيتها الخلوية، مثل تلك الخلايا التي تمر بمرحلة الموت الخلوي المبرمج المتأخر أو الخلايا التي تخضع للموت الخلوي العرضي الإبتدائي. و في هذا الإختبار يتم إستخدام مركب Annexin V و هو بروتين يرتبط بالدهون الفوسفورية و بشكل خاص PS، و كذلك مركب Propidium iodide و هي صبغة إستثنائية ذات قدرة على الإرتشاح إلى الخلايا فقط بعد تضرر غشائها الخلوي.

ومن المدهش أن هذه التغيرات في توزيع الدهون الفوسفورية تتبع مسار مميز، و هي مستقلة عن برنامج الموت الخلوي المبرمج ذاته. إذ يمكن إعاقة هذه التغيرات من خلال مثبطات الميتوكندريا مثل Antimycin A و Oligomycin. و هذا يسمح للخلية بالتقدُّم للموت الخلوي المبرمج مع تنشيط الكاسبيس و حدوث التغيرات داخل النواة، و لكن بدون أ ن ينتقل مركب PS إلى خارج الخلية و من ثم التعرف عليه من قبل الخلايا اللاقمة. و هذا يوضِّح أن عملية إنتقال PS إلى خارج الخلية قد يكون صفة مميزة في الموت الخلوي المبرمج، إلا أنها غير ضرورية لعملية الموت الخلوي المبرمج. بالرغم من ذلك، فإن الموت الخلوي المبرمج بدون إنتقال مركب PS إلى خارج الخلية يمكن أن يخلق تجمعات فريده من الخلايا في الكائن الحي تكون من الناحية النظرية خلايا “غير ميِّته” حيث يكون لها القدرة على تجاوز الخلايا اللاقمة. و على العكس من ذلك، فعند التخلُّص من المُحفّز الذي يعمل على الموت الخلوي المبرمج، فإن الخلايا التي خضعت للموت الخلوي المبرمج، والتي سوف تصطبغ بمركب Annexin V و لكن ليس بمركب Propidium Iodide، كانت قادرة على إستعادة تماثل الغشاء الخلوي و إستعادة نموها. و هذا يؤكِّد أن تغير موقع PS بذاته ليس له تأثير مباشر على حيوية الخلية، بالرغم من كونه إرتباط غالب في عملية الموت الخلوي المبرمج.

و حيث ينتقل مركب PS من الجزء الداخلي للغشاء الخلوي إلى الجزء الخارجي، فإن مركب Sphingomyelin ينتقل من الجزء الخارجي للغشاء الخلوي إلى الجزء الداخلي. و من ثم يتم تحليله داخل الخلية ليكوِّن مركب السيراميد Ceramide. هذا الحدث هام لأنه من المحتمل أن غياب مركب Sphingomyelin من الجزء الخارجي للغشاء الخلوي يؤثر على سيولة الغشاء. و عندما يتم تحليل مركب Sphingomyelin و التخلص منه، فإنه يصبح غير قادر على تكوين إرتباطه المعتاد مع الكوليستيرول للحفاظ على ثباتية الغشاء الخلوي. و يصبح الغشاء الخلوي أكثر ميوعة مما يُسهِّل عملية تكوين البراعم أو الحويصلات و من ثم طرح هذه الحويصلات.

يتميز الموت الخلوي العرضي بإنتفاخ الغشاء الخلوي و تحلله، إلا أن الدراسات الحديثة أظهرت أن تغير موقع PS، الذي أعتبر سابقاً على أنه حدث يقتصر على الموت الخلوي المبرمج، يمكن أيضاً أن يحدث في الخلايا التي تخضع للموت الخلوي العرضي. إن البلعمة الخلوية لبقايا الموت الخلوي العرضي هو حدث يعتمد أيضاً على وجود مركب PS، بالرغم من حدوث ذلك بشكل أساسي عقب حدوث عملية التحلل الخلوي بشكل غامر، على خلاف عملية البلعمة الخلوية في التخلص من الأجسام الخلوية الناتجة عن الموت الخلوي المبرمج.

تجزُّء جزيء DNA

وصفت إحدى الخصائص المبكرة للموت الخلوي المبرمج ظهور DNAعلى هيئة سُلَّم عند فصله بعملية الفصل الكهربائي، و هذا ناتج عن تجزُّء جزيء DNA إلى قطع تبلغ أطوالها من 180-200 زوج من القواعد. إن الحجم الثابت للأجزاء الناتجة عن الموت الخلوي المبرمج تمثل عملية إنقسام عند مواقع مُحدده بين بروتينات الهستون، مكونة ما يُطلق عليه أجزاء “الأجسام النووية Neuclosome”. و لذلك، فإن وجود هذه الأجسام النووية يوضِّح المرحلة النهائية من عملية التحلل الكامل. و يمكن حدوث تجزء DNA بعدد من المسارات، و لكن بالعموم فإن هذه العملية تتم من قبل مجموعة من الإنزيمات يطلق عليها DNAase. و بمجرد تحرك الكروماتين إلى محيط النواة و حدوث تجزء لجزيء DNA، فإن النواة تنهار.

و من المدهش أن عملية تجزُّء النواة في الموت الخلوي العرضي شبيهة لتلك المشاهدة في الموت الخلوي المبرمج، على الأقل في المرحلة المبكرة. و في حين يظهر تجزء DNA الخاص بالموت الخلوي المبرمج في عملية الفصل الكهربي على شكل سُلَّم، فإن DNAالخاص بالموت الخوي العرضي يظهر على شكل لطخة “Smear”، من المحتمل أن يمثل ذلك أجزاء متباينة الأطوال من جزيء DNA. إلا أن في المراحل المبكرة من الموت الخلوي العرضي، فإن تجزء DNA يحدث كذلك على شكل منظَّم لأجزاء من DNA ذات فروقات بسيطة في الطول.

البلعمة الخلوية التي تلي الموت الخلوية

في حين أن السلوب الذي تموت فيه الخلية له مضاعفات، فإن تفاقم الإلتهاب الموضعي أو زواله يتأثر بشكا كبير بوقت حدوث و سرعة عملية التخلُّص من البقايا الخلوية الناتجة عن الموت الخلوي. البلعمة الخلويه هي العملية التي يتم فيها التخلص من البقايا الخلوية أو المخلفات. و تتم هذه العملية من قبل خلايا بلعمية محترفة هي البلاعم الكبيرة Macrophages أو خلايا بلعمية غير ناضجة. (مثل الخلايا الليفية و الخلايا الطلائية و خلايا العضلات الملساء للأوعية الدموية. إن أحد العوامل الهامة في عملية البلعمة الخلوية هو قدرة هذه الخلايا على التفريق بين الخلايا الحيَّة و غيرالحيَّة.

و قد عُرف لفترة طويلة دور مركب PS في قدرته على تعريف الخلايا الميتة للبلاعم الكبير، حيث أظهرت التجارب أنه إذا تم تثبيط مركب PS، فإن الموت الخلوي المبرمج سوف يحدث بمظهره المعتاد، و لكن بدون حدوث عملية البلعمة الخلوية،و ذلك بسبب عدم قدرة الخلايا اللاقمة على التعرُّف على الخلايا الميِّته. و في المقابل، فإذا تم دمج مركب PS تجريبياً إلى الغشاء الخارجي للخلايا الميِّته التي تقوم بتعبير مركب PS، فإنه سوف يتم التعرُّف عليها و التخلُّص منها من قبل الخلايا اللاقمة.

إن التخلُّص من بقايا الموت الخلوي المبرمج في غاية الأهمية. و من منطلق الحفاظ على الإتزان الجهازي للجسم، فإن الموت الخلوي المبرمج هو الصورة المفضَّلة عن الموت الخلوي العرضي، إلا أن بقايا الموت الخلوي المبرمج يمكن أن تكون كذلك ضارة بشكل كبير، و ذلك من خلال تحفيزها للتجلُّط الدموي داخل الأوعية الدموية، أو إنتاج أجزاء تعمل كمحفزات للإلتهاب. و إذا لم يتم تناول الخلايا الميِّته بعد عملية ظهور البلاعم على أسطحها، فإنها تصبح قاسية، و في نهاية المطاف، فإن هذه الخلايا سوف تنفجر مُطلقة محتواها إلى الوسط المحيط و هو ما يُطلق عليه “الموت الخلوي العرضي الثانوي secondary necrosis”

يحدث الموث الخلوي العرضي الثانوي عندما يُصبح مستوى ATP داخل الخلية غير متاح في منتصف عملية الموت الخلوي المبرمج؛ و لكن يمكن مشاهدة هذا النوع من الموت الخلوي المبرمج كذلك تحت ظروف يُسمح فيها لبقايا الموت الخلوي المبرمج بالبقاء. و في الغالب يتم تلافي هذا السيناريو في الكائن الحي من خلال نظام بلعمي عالي الفاعلية. يقوم بصمت بالتخلُّص من الخلايا في مراحل مبكرة جداً من عملية الموت الخلوي المبرمج. و إن فشل هذه الآلية يمكن أن يكون لها مضاعفات بليغة. و على هذا الأساس، فإن التخلُّص المبكِّر و الفاعل للأجسام الناتجة عن الموت الخلوي المبرمج لها فائدة كبيرة للعائل.

إن آلية التخلُّص من الخلايا الخاضعة للموت الخلوي العرضي مفهومة بشكل أقل. بالرغم من ذلك، فإن عملية إبتلاع الخلايا الميِّته عن طريق الموت العرضي يحدث عن طريق إشارة مركب PS. إن عملية البلعمة الخلوية لبقايا الخلايا الميِّته عرضياً يحدث بشكل أبطأ و أقل فاعلية، و كذلك عقب إنفجار الغشاء الخلوي. و من الظاهر أن ذلك يسمح بإنتشار مركب PS إلى البلاعم الكبيرة المجاورة.
و من المدهش، فإن إنطلاق الوسائط الإلتهابية لا تتغير في البلاعم الكبيرة التي تقوم بالتخلُّص من بقايا الموت العرضي عند مقارنتها بالبلاعم الكبيرة التي تقوم بالتخلُّص من بقايا الموت الخلوي المبرمج.

إن الهدف من الموت الخلوي المبرمج هو تسهيل التخلُّص من عملية الإلتهاب، أو على الأقل عدم المساهمة في تفاقمه. و في الحقيقة، فإن وجود بقايا الموت الخلوي المبرمجقد أظهرت قدرتها على خفض إنطلاق السيتوكينات الإلتهابية مثل العامل القاتل للخلايا الورمية (TNF-α) و زيادة إنطلاق العامل المضاد للإلتهاب IL10 من قبل البلاعم الكبيرة النشطة. بالإضافة، فإن إبتلاع الخلايا الميتة بواسطة البلاعم الكبيرة يمكن أن يستحث إنتاج مركَّب TGF-β1 الذي له القدرة على التسريع في عملية زوال الإلتهاب. و لذلك، فإن توقيت و فاعلية عملية التخلُّص من البقايا الخلوية بواسطة الخلايا اللاقمة عامل هام في تحديد فيما إذا كان بالإمكان تحقيق هذا الهدف. فإذا تم التخلُّص من الخلايا الخاضعة للموت الخلوي المبرمج بشكل عاجل و بدون حدوث إعاقة لهذه العملية، فإن هذا العملية طريق آمن للتخلُّص من الخلايا غير المرغوبة. إلا أن التشويش على عملية البلعمة الخلوية و زيادة أعداد الخلايا الميِّته عن طريق الموت الخلوي العرضي هي مضاعفات من شأنها أن تحفِّز حالة إلتهابية و تأخر في عملية شفاء فاعلة.

 

إعداد: أحمد مصطفى كمال البوَّاب

أخصائي طبِّي أول/ باحث طبِّي

le_bawab@yahoo.com