تخطي التنقل

Monthly Archives: أكتوبر 2013

الفصل الأول: تركيب و فسيولوجيا البكتريا

 1-  تركيب البكتريا

 لجميع التراكيب السطحية للبكتريا أهمية في الوسط الي تعيش فيه. إذ أن هذه التراكيب السطحية المتباينة هي مواقع الإتصال بالبيئه المحيطه. فعلى البكتريا أن تستخدم مكوناتها السطحية لمعاينة البيئة التي تتواجد فيها و من ثم الإستجابة للظروف المحيطه بطريقة تضمن لها بقائها و إستمراريتها في تلك البيئه. تتحدد الخصائص السطحية للبكتريا من خلال المكونات الجزيئية الدقيقة المتواجده على أغشيتها و جدرها الخلوية، بما في ذلك مركبات السكريات المتعددة الدهنية (LPS)، و التراكيب السطحية الأخرى، مثل الأسواط Flagella، و الزوائد الخلوية Fimbriae، و الكبسوله Capsules.

 

قد تمتلك التراكيب البكتيرية السطحية وظائف بيولوجية أساسية ليس لها أية علاقة بالعمليات الإمراضيه. و من هذا المنطلق، فإن وظيفة LPS في الغلاف الخارجي للبكتريا السالبة لجرام يتعلق بخصائص النفاذية أكثر ن كونها مواد سامة للحيوانات. بالرغم من ذلك، فهناك العديد من الأمثلة التي تلعب فيها المكونات السطحية للبكتريا دور في العمليات الإمراضية المتعلقة بالأمراض المعدية.

قد تعمل التراكيب البكتيرية السطحية:

–         كحواجز إنتقائية تسمح بمرور إختياري للمواد الغذائية و إعاقة دخول المواد الضارة للخلية، على سبيل المثال العوامل المضادة للميكروبات

–         تعمل التركيب السطحية كعوامل إلتصاق تمكِّن البكتريا من الإلتصاق إلى أسطح نسيجية معيَّنه

–         قد تعمل هذه التراكيب السطحية كإنزيمات تحفِّز بعض التفاعلات الكيميائية على أسطح الخلايا، هذه التفاعلات ضرورية لبقاء البكتريا

–         تعمل بعض التراكيب السطحية كآليات وقائية ضد عملية البلعمة الخلوية

–         تمنح البكتريا خصائصها الأنتيجينية

–         تقوم هذه المركبات السطحية بتحسس الوسط المحيط من درجة الحرارة إلى ملوحة الوسط و كمية الضوء و الأكسجين و المواد الغذائية و الأسموزية… ألخ. و هذا التحسُّس يؤدي إلى توليد إشارات جزيئية إلى الجينوم الخلوي، مما يؤدي إلى إنتاج بعض عوامل الضراوة، مثل التوكسينات الخارجية على سبيل المثال.

و من الناحية الطبِّيَّة، فإن المكونات السطحية للخلايا البكتيرية هي المحددات الأساسية لعملية الضراوة للعديد من الكاائنات الممرضه. إذ تتمكن الكائنات الممرضة من إستعمار الأنسجة مقاومة عملية البلعمة الخلوية و مقاومة الإستجابة المناعية و إستحثاث الإلتهاب و تنشيط المكمِّل و الإستجابة المناعية في العائل بإستخدام العديد من المكونات التركيبية.

 

 

تركيب سطح الخلية البكتيرية

من الناحية التركيبية، فإن البكتريا تمتلك ثلاث مكونات أساسية هي: الزوائد السطحية، التي هي عبارة عن مركبات بروتينية ملتصقة إلى سطح الخلية، و هي تكون إما على هيئة أسواط Flagella أو شعيرات سطحية Fimbriae. المستوى التركيبي الثاني هي الأغشية الخلوية و التي تكون من الكبسولة و الجدار الخلوي و الغشاء البلازمي. و يمثل المستوى الثالث منطقة السيتوبلازم التي تحتوي على الجينوم الخلوي (DNA) و العديد من المكونات الخلوية الأخرى مثل الرايبوسومات التي تمثِّل مصانع البروتين.

فالمكونات السطحية للبكتريا هي الأغلفة السطحية بالإضافة إلى الزوائد المتصلة بها. الأسواط عبارة عن تراكيب بروتينية خيطية ملتصقة إلى أسطح الخلية تمكن الخلية من الحركة في معظم البكتريا المتحركة. و يتراوح قطر الأسواط البكتيرية حوالي 20 نانومتر و هذا أقل من قدرة المجهر الضوئي على مشاهدته. و يتم دوران السواط بواسطة جهاز تحريك في الغشاء الخلوي مما يسمح للخلية بالسباحة في الوسط السائل. و يتم إمداد الأسواط بالطاقة عن طريق قوة حركة البروتونات المتواجدة على الغشاء الخلوي.

تُظهر البكتريا أنواعاً متعددة من سلوكيات الإنجذاب، أي القدرة على الحركة أو السباحة كإستجابة إلى المحفزات البيئية. على سبيل المثال أثناء الجذب الكيميائي Chemotaxis يمكن للبكتريا أن تستشعر نوعية و كمية أنواع معينة من المواد الكيميائية في الوسط المحيط و السباحة تجاه هذه المركبات الكيميائية (إذا كانت مواد غذائية نافعة)، أو السباحة بعيدة عنها (إذا كانت هذه المواد ضارة). و في حالى الجذب الهوائي Aerotaxis، فإن البكتريا تسبح بإتجاه مصدر الأكسجين أو ربما بعيدة عنه. تُمثل الحركة عامل ضراوة لمجموعة بسيطة من البكتريا. ففي حالة بكتريا الكوليرا Vibrio cholerae، فإن عصويات البكتريا تسبح (فعلياً) إلى مخاطية الأمعاء كي تتلافي عملية طردها بفعل الحركة الدودية للأمعاء. تمتلك الأسواط خصائص أنتيجينية، ولذلك، فهي عُرضة للهجوم من قبل الأجسام المضادة للعائل. الأجسام المضادة الموجَّهة ضد أنتيجينات الأسواط يمكن أن تعمل على تلازن خلايا البكتريا أو تعمل على إعاقة حركتها، أو من المحتمل أنها تعمل على تسهيل عملية تناولها من قبل الخلايا اللاقمة، العملية التي يُطلق عليها Opsonization.

الزوائد الخلوية (Fimbriae or pili) تُستخدم لوصف تراكيب خلوية شعرية على سطح الخلية البكتيرية. الزوائد الخلوية أقصر من الأسواط و أصغر قليلاً في القطر. و كم هو الحال بالنسبة للأسواط، فإن الزوائد الخلوية تتكون من البروتين. هناك نوع متخصص من الزوائد الخلوية (يُطلق عليه Pilus) تُعرف بالزوائد الجنسية و هي تلعب دور في تمرير المادة الوراثية بين الخلايا البكتيرية المقترنة. تستخدم البكتريا هذه الزوائد الخلوية الخاصة بعملية الإقتران لتبادل الجينات الخاصة بعملية الضراوة من خلال آلية الإقتران (Conjunction)، و قد تلعب هذه الزوائد دوراً في تحديد ضراوة البكتريا.

أما فيما يتعلق بالزوائد البكتيرية الشائعة (Common pili)، فهي تلعب دوراً في عملية إلتصاق البكتريا إلى الأسطح في الطبيعة. و من وجهة نظر طبِّيَّة، فإن هذه الزوائد الخلوية تلعب دوراً هاماً في تحديد ضراوة البكتريا و ذلك لأنها تسمح للبكتريا الممرضة بالإلتصاق، و بالتالي إستعمار الأنسجة، و كذلك لمقاومة هجوم كريات الدم البيضاء اللاقمة، و هذه الوظيفة الأخيرة هي ما تقوم به الكبسولة الخلوية.

تمتلك الزوائد الخلوية قدرات أنتيجينية، و سوف تعمل الأجسام المضادة الإفرازية (sIgA) على إعاقة إستعمار الأنسجة من قبل البكتريا، في حين أن الأجسام المضادة IgG أو IgM سوف تعمل على تسهيل عملية بلعمة الخلايا البكتيرية بواسطة الخلايا اللاقمة.

تحتوي معظم البكتريا بصورة ما على طبقة من السكريات المتعدده خارج الجدار الخلوي. و بشكل عام، ُطلق على هذه الطبقة السُّكرية إسم الكبسولة. إلا أن الكبسولة الحقيقية هي التي تتكون من طبقة يمكن تحديدها من السكريات المتعددة و التي تتراكم خارج الجدار الخلوي. أما إذا كانت طبقة السكاكر المتعددة بسيطة على سطح الجدار الخلوي، عندها يُطلق عليها بالطبقة الرقيقة و ليس بالكبسولة. و تعمل الكبسولة أو طبقة السكريات المتعددة الرقيقة على الإلتصاق بشكل متخصص أو حتى غير متخصص إلى أسطح معينة. و من المعروف عن الكبسولة قدرتها على تهيئة الحماية للبكتريا ضد عملية البلعمة التي تتم من قبل الخلايا اللاقمة و كذلك من قبل العوامل المضادة للميكروبات.

في الطبيعة، و في العديد من الحالات الطبِّيَّة، فإن المستعمرات البكتيرية تعيش بصورة تُعرف بإسم Biofilm”” يتكون بشكل أساسي من العناصر المكونة للكبسولة الخلوية. يتألف هذا الفيلم الحيوي من خليط من البكتريا التي تعيش في بطانة من طبقة رقيقة من السكريات المتعددة التي يتم إفرازها من قبل أغشية البكتريا. أحد الأمثلة على هذا الفيلم الحيوي الطبقات المتكوِّنة على الأسنان. الميزة التي تُهيئها طبقة الأفلام الحيوية للبكتريا هو أنها تصبح أقل عُرضة للخلايا اللاقمة و العقاقير و كذلك للأجسام المضادة التي تعمل على الإرتباط بها و معادلة تأثيرها.

تمتلك العديد من المحافظ البكتيرية (الكبسولات) خصائص أنيتيجينة، و لذلك، فهي قادرة على إستحثاث و التفاعل مع الأجسام الضادة للعائل. و في الوقت الذي تُمثِّل فيه المحافظ البكتيرية أحد عوامل الضراوة الرئيسية لبعض أنواع البكتريا، (على سبيل المثال Streptococcus pneumonia)، فإن الأجسام المضادة الموجَّهة تجاه هذه الأنواع من البكتريا تعمل على معادلة قدراتها الإمراضية.

الجدار الجلوي للبكتريا هو أحد التراكيب الأساسية التي تقوم بحماية بروتوبلاست الخلية الهشّْ من الضغوط الإسموزية. يتكون الجدار الخلوي البكتيري من مبلمرات من السكاكر الثنائية مرتبطة بشكل عرضي مع سلاسل قصيرة من الأحماض الأمينية (البيبتيدات). هذا الجزيء هو نوع من البيبتيدوجليكان يُعرف بإسم “الميورين Murein” و الميورين هو مركب تنفرد به البكتريا. تبلغ سماكة الجدار الجلوي في البكتريا الموجبة لجرام 15-80 نانو متر و يتكون من طبقات متعددة من مركب البيبتيدوجليكان المرتبطة إلى مركب حمض التكويك (Teichoic acid). أما الجدار الخلوي في لبكتريا السالبة لجرام فهو أقل سُمكاً (حوالي 10 نانو متر فقط) و يتكون من طبقة مفردة من مركب البيبتيدوجليكان محاطة بتراكيب غشائية تُعرف بالغشاء الخارجي. تنفرد البكتريا بإمتلاكها مركب الميورين في الجدار الخلوي. كما أن الغشاء الخارجي للبكتريا السالبة لجرام يحتوي بصورة متباينة على مكوِّن فريد من نوعه هو السكريات المتعددة الدهنية Lipopolysaccharide (LPS) و يُطلق عليه كذلك التوكسين الداخلي (Endotoxin) و هو مركب شديد الُّمِّية للحيوانات

الجدار الخلوي تركيب معقَّد و يختلف بشكل أساسي في البكتريا الموجبة لجرام و السالبة لجرام. إن مكونات الجدار الخلوي في البكتريا هي أحد العوامل الأساسية في تحديد ضراوة البكتريا الموجبة و السالبة لجرام.

يستحث كل من الجدار الخلوي للبكتريا و مركب LPS و كذلك بعض أحماض التيكويك المسار البديل لنظام المكمِّل مما يؤدي إلى ظهور إستجابة إلتهابية. لبعض مكونات الجدار الخلوي القدرة على حماية البكتريا ضد عملية البلعمة التي تتم من قبل الخلايا اللاقمة أو حماية البكتريا من عملية الهضم. إن التباين في تركيب الجزيئات العملاقة في مكونات الجدار الخلوي قد تكون الأساس للتباين الأنتيجيني و كذلك أساس المقاومة المتخصصة من قبل العائل.

و تجدر الإشاره هنا إلى أن المكونات الأساسية للجدر الخلوية للبكتريا السالبة لجرام هي الهدف لنظام المكمِّل و بعض من المضادات الحيوية.

يتم الإخلال بسلامة الجدر الخلوية (البيبتيدوجليكان) من قبل إنزيمات العائل، مثل إنزيم الليسوزيم الموجود بشكل أساسي في معظم سوائل الجسم. كما أن العديد من المضادات الحيوية، وبشكل أساسي مركبات بيتا لاكتم (Beta-lactams) تُظهر تأثيراتها المضادة للميكروبات من خلال إعاقة تصنيع و تجميع مركب البيبتيدوجليكان.

إن تركيب الغشاء الخلوي البكتيري مشابهة من الناحية التركيبية للأغشية الخلوية في الخلايا حقيقة الأنوية (Eukaryotes)، فيما عدا أن الأغشية الخلوية البكتيرية تتكون من أحماض دهنية مشبعة أو أحادية التشبع (و ليس عديدة التشبع). و لا تحتوي بشكل طبيعي على سيترولات.

الغشاء البلازمي في البكتريا هو تركيب ديناميكي بشكل إستثنائي و الذي يقوم بوظائف عدة منها خاصية النفاذية الإختيارية، و تسهيل عملية نقل المركبات من و إلى الخلية، و إفراز المواد إلى الوسط المحيط، إضافة إلى توليد الطاقة. و بالحديث عن القدرات الإمراضية للخلية البكتيرية، فلا شك أن قدرة البكتريا في هذا الشأن تعتمد على سلامة و وظيفة غشائها الخلوي. فقد يكون الغشاء الخلوي مسئولاً عن إفرازات التوكسينات، و مقاومة العوامل المضادة للبكتريا، و التحسس للإشارات البيئية المحيطة بالخلية مما يعمل على تنشيط أو إيقاف نشاط بعض الجينات المسئولة عن ضراوة البكتريا.

الجراثيم الداخلية (endospores) عبارة عن تراكيب بكتيرية خاصة بالبكتريا الخاملة أو غير النشطة. تتكون الجراثيم الداخلية من قبل مجموعة من صغيرة من البكتريا كتراكيب داخل خلوية، إلا أنها تنطلق في نهاية المطاف كجراثيم داخلية حرَّه.

من الناحية البيولوجية، فإن الجراثيم الداخلية هي نوع مدهش من الخلايا، فهي لا تُظهر أي مظهر حيوي (Cryptobiotic)، كما تمتلك مقاومة عالية للطغوط البيئية مثل درجات الحرارة المرتفعة (إذ يمكن غلي بعض الجراثيم الداخلية لساعات عدَّة و من ثم إستعادة قدرتها على الإنبات)، و الأشعة، و الأحماض القوية، و المطهرات… و من المحتمل أنها أكثر الخلايا قدرة على البقاء في الطبيعة. و بالرغم من فقدان الجراثيم الداخلية مظاهر الحياة، إلا أنها قادرة على إستعادة قدرتها الحيوية تحت ظروف بيئة مناسبة؛ فهي تتمكن من الإنبات و العودة إلى الصورة الخضرية. تمثِّل الجراثيم الداخلية جنسين تابعين للبكتريا الموجبة لجرام هما Bacillus و هي بكتريا هوائية، و الجنس Clostridium و هي بكتريا لا هوائية مكونة للجراثيم. يحتوي كلا الجنسين على أفراد ممرضة، و تلعب الجراثيم الناتجة عن كلا هذين النوعين دور في سُمِّية و إنتقال و بقاء البكتريا الممرضة.

 

 

 

 

2- فسيولوجيا (وظائف أعضاء) البكتريا

يمكن لمعظم أنواع البكتريا النمو على الأوساط المزرعية. بالرغم من ذلك، فإن بعض البكتريا، مثل Mycobacterium leprae (المسببة لمرض الجذام Leprosy) و بكتريا Treponema pallidum (المسببة للزهري Syphilis) لا تتمكن من النمو على الأوساط المزرعية. مجموعة أخرى من البكتريا، مثل الكلاميديا Chlamydia، و الركتسيا Rickettsia تتضاعف فقط داخل خلايا العائل، و يمكن تنميتها في المزارع الخلوية.

تحت الظروف المناسبة، أي عند توفر الغذاء و درجة الحرارة و غيرها من عوامل النمو، فإن البكتريا سوف تزداد في الحجم و من ثم تحدث عملية الإنقسام إلى خليتين بنويتن متطابقتين. لهذه الخلايا القدرة على النمو و الإنقسام بنفس المعدل الذي إنقسمت فيه الخلايا الأبوية شريطة بقاء الظروف المحيطة بالخلايا ثابته. و يُعرف الوقت المطلوب لتضاعف البكتريا في المزارع الخلوية بعمر الجيل (Generation time)، و على سبيل المثال، فإن الوقت اللازم لإنقسام خلية بكتريا Escherichia coli هو حوالي 30 دقيقة عند الظروف المثالية.

 

متطلبات نمو البكتريا

تحتاج معظم البكتريا ذات الأهمية الطبِّيَّة العناصر الأساسية للحياة، أي الكربون و النيتروجين و الماء و الأملاح غير العضوية و مصدر للطاقة كي تنمو. لهذه الأنواع من البكتريا متطلبات متباينة من الغازات و درجة الحرارة و الأس الهيدروجيني و يمكنها تمثيل مدى واسع من مصادر الكربون و النيتروجين و الطاقة. تحتاج بعض البكتريا كذلك إلى عوامل نمو خاصة بما في ذلك الأحماض الأمينية و الفيتامينات.

متطلبات النمو هامة في إختيار العديد من الأوساط المزرعية المطلوبة في عمليات التشخيص في مجال الميكروبات و في فهم الإختبارات التي تتم لتعريف الأنواع المتباينة من البكتريا.

 

مصادر الكربون و النيتروجين

تصنَّف البكتريا إلى مجموعتين رئيسيتن بحسب مصادر مركبات الكربون التي تستخدمها:

1-   المغتذيات الذاتية Autotrophs هي البكتريا التي تستخدم الكربون غير العضوي من ثاني أكسيد الكربون و النيتروجين من الأمونيا و النترات و النيتريت. و ليس لهذا النوع من البكتريا أهمية طبِّيَّة تُذكر.

2-   المغتذيات المتباينة Heterotrophs و هي البكتريا التي تعتمد على المركبات العضوية كمصدر أساسي للكربون و الطاقة. و تنتمى البكتريا ذات الأهمية الطبِّيَّة إلى هذه الفئة.

ثاني أكسيد الكربون. تحتاج البكتريا غاز ثاني أكسيد الكربون (CO2) في عملية النمو. تتوفر كمية كافية من ثاني أكسيد الكربون في الهواء أو يتم إنتاجها خلال العمليات الأيضية للكائن ذاته. مجموعات أخرى من البكتريا تتطلب وجود المزيد من ثاني أكسيد الكربون للنمو، مثل بكتريا Neisseria meningitides.

الأكسجين. على أساس إحتياج البكتريا للأكسجين (O2) يمكن تقسيم البكتريا إلى أربع مجاميع:

–         بكتريا هوائية إجبارية obligate aerobes. تنمو هذه البكتريا فقط في وجود الأكسجين، أحد الأنواع التي تمثِّل هذه البكتريا Pseudomonas aeruginosa.

–         بكتريا لا هوائية إجبارية Obligate anaerobes. تنمو هذه المجموعة من البكتري فقط في غياب كلي للأكسجين في الوسط، و يمثِّل الأكسجين مادة سامة لهذا النوع من البكتريا. تُمثِّل Clostridium Tetani هذا النوع من البكتريا.

–         بكتريا لا هوائية إختيارية Facultative anaerobes يمكنها النمو في وجود الأكسجين أو في غيابه. و تمثله بكتريا E coli.

–         بكتريا مُحبَّة للأكسجين بكميات قليلة Microaerophilic لها القدرة على النمو بشكل أفضل في وجود تركيزات منخفضة من الأكسجين، و يمثلها بكتريا Campylobacter jejuni.

 

درجة الحرارة. على أساس تكيفها مع درجة الحرارة قُسِّمت البكتريا إلى ثلاث مجاميع:

–         البكتريا المُحبَّة للبرودة Psychrophiles، و تتراوح أفضل درجات الحرارة لهذه البكتريا أقل من 20 درجة مئوية، إلا أن بعضها قادر على النمو عند أقل من الصفر المئوي.

–         البكتريا المحبَّة لدرجات الحرارة المتوسطة، أي من 20- 45 درجة مئوية.

–         البكتريا المُحبَّة لدرجات الحرارة المرتفعة Thermophiles، لهذه البكتريا القدرة على النمو عند درجات حرارة أعلى من 45 درجة مئوية.

و بشكل عام تفضل معظم البكتريا الممرضة النمو عند درجة حرارة 37 مئوية. و إن قابلية البكتريا على النمو عند درجات الحرارة المنخفضة (صفر-4 مئوية) له أهميته في مجال حفظ و تخزين و تلوُّث الأغذية بالميكروبات. فعلى سبيل المثال، فإن بكتريا Listeria monocytogenes المسببة للتسمُّم الغذائي تنمو ببطء عند 4 درجات مئوية، مما يتسبب في حدوث إنتشار للتسمُّم الغذائي المتعلق بالأغذية المطهية و المحفوظة بالتبريد.

 

درجة الحموضة (الأس الهيدروجيني PH)

تنمو معظم البكتريا المُمْرضة بشكل أفضل في درجة حموضة تتراوح بين 7.2- 7.6، إلا أن هناك بعض الإستثناآت. إذ تفضل بكترياLactobacillus acidophilus، المتواجدة على طلائية المهبل في مرحلة البلوغ لدى الإناث، النمو في درجة حموضة منخفضة (4 تقريباً). تنتج هذه البكتريا حمض اللبن (lactic acid)، مما يُبقي الوسط المهبلي حمضياً. و تعتبر هذه إحدى الآليات التي يتم من خلالها إعاقة نمو البكتريا الممرضة. و في الجهة المقابلة، تفضل بكترياVibrio cholera المسببة للكوليرا النمو في وسط قاعدي تصل درجة حموضته إلى 8.5.

 

مراحل نمو البكتريا في الأوساط السائلة

عند إضافة لقاح بكتيري إلى الأوساط المزرعية السائلة فإنه يمكن تعقُّب نمو البكتريا من خلال تحديد العدد الكلي للبكتريا الحيَّة (Viable count) في مراحل زمنية متفرقة. يمكن تميز أربع مراحل من خلال دراسة منحنى النمو:

1-   طور الكُمُون Lag phase، و هي المرحلة الفاصلة بين عملية. تلقيح الوسط بنمو بكتيري حديث و بداية النمو.

2-   مرحلة التضاعف اللوغارتمي Log phase، و يتم في هذه المرحلة حدوث نمو مضطرد، كما يمكن مشاهدة حدوث عكارة في الوسط المزرعي عندما تصل أعداد البكتريا إلى حوالي عشرة آلآف خلية/مل

3-   مرحلة الثبات Stationary phase. يبدأ معدل النمو في هذه المرحلة بالإنخفاض و ذلك مع إنحسار مستوى المواد الغذائية في الوسط الغذائي و تراكم المخلفات الأيضية؛ و يصبح معدل إنقسام الخلايا مساوٍ لمعدل الموت الخلوي؛ أي أن أعداد الخلايا الحية يبقى ثابتاً نسبياً في هذه المرحلة.

4-   مرحلة الإنحسار Decline phase. ينخفض في هذه المرحلة معدل إنقسام الخلايا البكتيرية و يزداد معدل موت الخلايا مما يتسبب في إنحسار معدل الخلايا الحيَّة. و يمكن قياس معدل ثاني أكسيد الكربون في المزارع الخلوية لتحديد حجم النمو البكتيري في مزارع الدم و ذلك بإستخدام أجهزه حديثة قادرة على القيام بذلك.

 

 

 

 

 

 

 

                            منحدر النمو البكتيري في الأوساط السائلة

 

النمو على الأوساط الصلبة. يمكن تصليب الأوساط السائلة بإضافة مركب الأجار المستخلص من الطحالب. فعند تسخين الأجار لدرجة 100 مئوية يتحول إلى صورة سائلة و يبقى كذلك حتى تصل درجة الحرارة إلى 40 مئوية حيث يتحول إلى جل شفاف. و يتم عادة صب الأجار في أطباقو أحيانا في أنابيب. نمو البكتريا على الأوساط الصلبة يعمل على إنتاج مستعمرات. تتألف كل مستعمرة من آلآف من الخلايا الناشئة عن خلية مفردة. و لخصائص المستعمرات دور في عملية تعزيز تعريف البكتريا.

 

الأوساط المزرعية

كي يتم زراعة البكتريا معملياً علينا الأخذ في الحسبان المتطلبات الفسيولوجية. و لذلك، فقد تم تطوير العديد من الأوساط المزرعية السائلة و الصلبة للأغراض التشخيصيَّة. هناك عدة طرق لتقسيم الأوساط المزرعية. فعلى أساس قوامها قُسِّمت الأوساط المزرعية إلى سائلة و صلبة. تحتوي الأوساط الصلبة على نسبة من الأجار تتراوح بين 0.5-2%. و عند إضافة الأجار بنسبة ضئيله، (0.5%) يمكننا الحصول على أوساط شبه صلبة يمكن إستعمالها في نقل البكتريا.

الأوساط البسيطة أو الأوساط العامَّة. تنمو العديد من البكتريا على الأوساط البسيطة، من هذه الأوساط المرق المغذِّي أو الأجار المغذَّي المحتوي على البيبتون Peptone)) الذي يتم الحصول عليه من تحلل اللحم إنزيمياً.

الأوساط المُدعَّمة ُ Enriched media. تحتوي هذه الأوساط على مزيد من العناصر المغذية و ذلك لعزل البكتريا ذات متطلبات النمو الخاصَّة. إذ يمكن إضافة الدَّم أو الدَّم المُحلَّل (chocolate agar) إلى هذه الأوساط لإضافة المزيد من القيمة الغذائية لها.

الأوساط الإنتقائية Selective media. صُمِّمت هذه الأوساط لعزل و تنمية أنواع محددة من البكتريا دون غيرها. تعوق هذه الأوساط الإنتقائية نمو أفراد الفلورا الطبيعيَّة الأسرع نمواً. و للحصول على هذه الأوساط يتم إضافة عدد من المواد الكيميائية إلى الأوساط العامَّة أو التفريقية و بالتالي تحويلها إلى أوساط إنتقائية. قد تكون المواد المضافة أملاح أو تغيِّر الأس الهيدروجيني للوسط أو مواد كيميائية مثل المضادات الحيوية و ذلك بحسب نوع البكتريا المراد عزلها.

الأوساط التفريقية Differential media. صُمِّمت هذه الأوساط للمساعدة في تحديد و التعرُّف على أنواع محددة من البكتريا. وجود بعض الكواشف أو الأصباغ في هذه الأوساط يعمل على التفريق بين المجاميع المختلفة من البكتريا عند تغير الأس الهيدروجيني المتسبب عن النواتج الأيضية للبكتريا.

 

3-  تصنيف البكتريا

يُعتبر تصنيف الكائنات الدقيقة ذو أهمية فيما يتعلق بفهم الناحية السريرية للمرض. يتألف الإسم العلمي للكائنات الحية، بما في ذلك البكتريا، من شقِّين، فالشِّق الأول يُمثِّل إسم الجنس و يبدأ بحرف كبير يعقبه إسم النوع. على سبيل المثال بكتريا Escherichia coli، Staphylococcus aureus، و في الغالب يتم إختزال الأسماء كالتالي E coli،  S aureus و ُتكتب الأسماء العلمية للكائنات الدقيقة بخط مائل.

يمكننا تصنيف البكتريا ذات الأهمية الطبِّيَّة إلى خمس مجاميع أساسية بحسب أشكالها و تفاعلها مع صبغة جرام. تشمل الأشكال الأساسية البكتريا الكرويَّة Cocci، البكتريا العصويَّة Bacilli، البكتريا الواوية Vibrio، البكتريا الحلزونية Spiral و البكتريا مُتعددة الأشكال Pleomorphic. يتم تقسيم كل من هذه الأشكال البكتيريَّة كذلك بحسب تفاعلها مع الأصباغ (صبغة جرام، و الصبغ المقاوم للأحماض Acid fast stain). و بشكل أساسي، فإن البكتريا ذات الأهمية الطبِّيَّة قُسِّمت إلى طائفتين أساسيتين هما البكتريا الموجبة لجرام (Gram positive bacteria) و البكتريا السالبة لجرام (Gram Negative bacteria). الخصائص التقسيميَّة الأخرى تشمل قدرة البكتريا على النمو في وجود الأكسجين (بكتريا هوائية) أو في غياب الأكسجين (بكتريا لا هوائية) و كذلك القدرة على تكوين الجراثيم. تقسيم مجاميع البكتريا إلى أجناس يتم على أساس العديد من العوامل بما في ذلك الخصائص المزرعية (العوامل التي تتطلبها البكتريا لنموها و أشكال المستعمرات) و كذلك الخصائص الأنتيجينية و التفاعلات البيوكيميائية لهذه البكتريا.

 

 

 

 

 

 

 

مقارنة بين تركيب البكتريا السالبة و الموجبة لجرام

البكتريا الحلزونية (Spiral bacteria). تمتلك هذه البكتريا آلياف إسطوانية حلزونية الشكل، و يمكن تصنيف هذه البكتريا إلى ثلاثة أجناس ذات أهمية طبِّيَّة:

1-   Borrelia. تعتبر أفراد هذا الجنس كبيرة نسبياً و متحركة و تشمل كل من الأنواع التالية: Borrelia Vincenti، Leptotrichia buccalis، B recurrentis المسببة للحمَّى الراجعة (Relapsing fever).

2-   Treponema. أفراد هذا الجنس أقل سُمكاً إلا أنها أكثر إلتفافاً عن جنس Borrelia. أهم أفراد هذا الجنس Treponema pallidum المسببة لمرض الزهري (Syphilis)

3-   Leptospira. يمتلك هذا الجنس نوع واحد هو Liptospira interrogenas. و هناك حوالي 30 نمط مصلي لهذا النوع، العديد منها ممرضة.

البكتريا المقاومة للأحماض Acid-fast bacilli. تشمل هذه البكتريا جنس الميكوبكتيريم (Mycobacterium). و يتم تعريف هذه البكتريا بقدرتها على مقاومة الأحماض و الذي يعكس قدرة البكتريا على مقاومة عملية التخلص من الأصباغ، مثل صبغ الكربول فوكسين (Carbol fuchin)، بإستخدام الأحماض (إيثانول 97%، حمض هيدروكلوريك 3%). و بشكل عام، يصعب صبغ الميكوبكتريا بإستخدام صبغة جرام. و يمكن تقسيم هذه البكتريا إلى المجاميع التالية:

1-   عصويات السُّل (Tubercle bacilli)، و تشمل كل من بكتريا M Tuberculosis و M bovis.

2-   عصويات الجذام و يمثلها M leprae.

3-   الميكوبكتريا اللانمطية (Atypical Mycobacteria). بعض الأمراض المشابهة للسُّل و التي تصيب الإنسان تنشأ عن أنواع أخرى من اليكوبكتريا. فهذه البكتريا يمكنها النمو عند درجة حرارة 27 و 42 و 45 درجة مئوية. و بعضها يفرز أصباغ عند نموها في الضوء الخاصِّية التي يُطلق عليها “التلوُّن الضوئي Photochromogens”. في حين أن مجموعة أخرى قادرة على إنتاج الأصباغ في وجود الضوء أو الظلام و تُعرف بإسم “Scotochromogens”. و هناك أنواع من الميكوبكتيريا القادرة على النمو بشكل سريع. يُطلق على هذه الأنواع جميعا بشكل عام “الميكوبكتيريا اللانمطية” و الأنواع التي تمثِّل هذه المجموعة تشمل M kansasii المكوِّنة للأصباغ تحت تأثير الضوء، M avium-intra cellulare غير المكونة للصبغ و M chelonei سريعة النمو.

البكتريا الفاقدة للجدار الخلوي. بعض أنواع البكتريا مثل الميكوبلازما (Mycoplasma) غير قادرة على تكوين الجدر الخلوية. الأنواع المسببة للأمراض تشمل M pneumonia و Ureaplasma urealyticum.

هناك بكتريا يُطلق عليها L form فقدت جدرها الخلوية بسبب تعرضها لعوامل مثل المضادات الحيوية. لهذه الأشكال من البكتريا القدرة على التضاعف و تكوين مستعمرات شبيهة بمستعمرات الميكوبلازما.

Protoplast. هي خلايا بكتيرية فقدت جدرها الخلوية كذلك. هذه الخلايا نشطة أيضياً و قادرة على النمو، إلا أنها عاجزة عن التضاعف. هذه الخلايا قادرة على البقاء حية في الأوساط الثابتة أسموزياً.

 

4-  العلاقة بين الطفيل و العائل

طوَّرت الميكروبات العديد من الإستراتيجيات التي تُمكَّنها من البقاء و النمو في أنواع متباينة من الأوساط البيئية؛ و هذا ما يدعوا الميكروبات للتواجد في كل مكان تقريباً على سطح الأرض. تلعب الميكروبات دور مركزي في علم البيئة على المستوى العالمي و ذلك بسبب قدرتها على تحليل المواد العضوية. يُطلق على الميكروبات التي تعيش على المواد العضوية الميتة بالكائنات المترممة (Saprophytes). أما الميكروبات القادرة على النمو على/ أو في العوائل الحيَّة و لها القدرة على الحصول على إحتياجاتها الغذائية من عوائلها فيُطلق عليها الطُفيليَّات (Parasites). قد تكون هذه الميكروبات ذات فائدة لعوائلها، عندها تُعرف بالميكروبات المتعايشة (Symbiosis)، كما هو الحال في الميكروبات المتواجدة في أمعاء الحيوانات المُجْترَّة، إذ تُساعد هذه الميكروبات على تحلُّل مركب السليولوز، و هي خطوة اساسية في تغذية هذه الحيوانات.

الفلورا الطبيعية (Normal flora). يُشار إلى تلك الكائنات الدقيقة التي ترتبط مع الثدييات بالفلورا الطبيعية أو الكائنات المتعايشة (Commensalism). لأفراد الفلورا الطبيعية دور هام في الحيلولة دون حدوث العدوى بالأنواع المُمْرضة من البكتريا. و إن إختزال أعداد أفراد الفلورا الطبيعية بإستخدام المضادات الحيوية، على سبيل المثال، قد يؤدِّي إلى زيادة في نمو الكائنات المُمْرضة. تكيَّفت الكائنات المتعايشة إلى الأوساط المتواجدة فيها، كالجلد الجافّْ و الحموضة. و يمكن لهذه الكائنات أن تتضاعف دون أن تسبب العدوى، إلا أن لهذه الميكروبات القدرة على إختراق الحواجز الدفاعية عند تردِّي أو إحباط مناعة العائل.

الكائنات الدقيقة المُمْرضة (Pathogenes). يُشار إلى الكائنات التي تُسبِّب المرض بشكل متكرر بالكائنات المُمْرضة (Pathogenic). بالرغم من ذلك، فقد تتواجد هذه البكتريا أو الميكروبات على عوائلها دون أن يتسبب عن ذلك ظهور إصابات. فعلى سبيل المثال، تتواجد بكتريا Neisseria Meningitides، المسبِّبة لإلتهاب السحايا (Meningitis) في البلعوم لدى 5% من الأفراد البالغين الأصحاء دون أن يُسبب تواجدها لديهم أي ضرر.

العدوى (Infection). يُشير مصطلح العدوى إلى المظاهر السريرية التي تحدث عندما تقوم الكائنات الدقيقة بغزو العائل. و عندما تكون المظاهر السريرية للإصابة بسيطة أو غير ظاهر فإن هذه الإصابات تُعرف بتحت سريرية (Subclinical).

تنشأ العدوى الكامنة (Latent infection) عندما يستقر الكائن المُمْرض في جسم العائل لفترة طويلة من الزمن من دون حدوث إستجابة سريرية. ربما تنشأ الأعراض السريرية على العائل عند تغير الإتزان البيئي بين الميكروب و العائل و ذلك بسبب ضعف أداء الجهاز المناعي؛ على سبيل المثال، تُعتبر الإصابة بفيروسات الهربس أحد الأمثلة القوية على الميكروبات المسبِّبة للإصابات الكامنة.

الإصابات المُزْمنة (Chronic infections) تنشأ عندما لا يتم التخلُّص من الكائن المُمْرض بشكل تام و يستمر في إستحثاث الأعراض السريرية. الأمثلة على هذا النوع من العدوى الإصابة بالجذام (Leprosy) و كذلك العدوى بالديدان الطُفيّليَّة.

طوَّرت الميكروبات العديد من الآليات وعوامل الضراوة Virulence factors)) لمقاومة الوسائل الدفاعية للعائل و لتسهيل إنتقالها عبر العوائل. و تعتبر قدرة الميكروبات على البقاء خارج عوائلها أحد أهم العوامل في إنتقال الميكروبات. أما إنتقال الميكروبات غير القادرة على البقاء خارج أجسام عوائلها فيعتمد على إنتاج كميات كبيرة من هذه الميكروبات. في حين أن الميكروبات القادرة على البقاء خارج عوائلها، مثل بكتريا السُّل M tuberculosis، لا تحتاج إلى إنتاج كميات كبيرة كي تنتقل الجزيئات المعدية بشكل فاعل.

طوَّرت العديد من الكائنات الدقيقة كذلك عوامل متخصِّصة تمكنها من الإلتصاق إلى الأسطح الطلائية على سبيل المثال الزوائد الخلوية Pili)) المتواجدة على أسطح بكتريا N gonorroea. يُطلق على هذه الوسائل و غيرها من الوسائل “عوامل الضراوة”، و هي تساهم بشكل فاعل في إختراق الميكروب للخطوط الدفاعية للعائل و التكاثر على أو داخل جسم العائل. من العوامل الأخرى المتعلقة بضراوة البكتريا الإنزيمات المُحلَّلة لكريات الدم الحمراء (Hemolysins) و تلك المُحلِّله لكريات الدم البيضاء Leucocidins)) التي تختزل بشدة وظائف كريات الدم البيضاء اللاقمة. تعمل الكبسولة لدى البكتريا التي تمتلكها على إعاقة عملية البلعمة الخلوية.

تمتلك الكائنات الدقيقة العديد من الإستراتيجيات التي تعمل على معادلة تأثير الأجسام المضادة و ذلك عن طريق إنتاج أنتيجينات ذائية أو حُرَّة لها القدرة على معادلة تأثير الأجسام المضادة مما يعوق إرتباطها بأسطح الميكروبات. لمجموعة أخرى من الكائنات الدقيقة القدرة على إفراز إنزيمات مُحلِّله  ذات قدره على تكسير الأجسام المضادة. إن قدرة بعض الميكروبات على النمو و البقاء حية داخل الخلايا  يمثل تحدياً قوياً للجهاز المناعي داخل جسم العائل. فهذا التواجد داخل خلايا العائل يجعل الميكروب بمعزل عن الوسائل الدفاعية للعائل كالأجسام المضادة و الخلايا اللاقمة. بل أبعد من ذلك، إذ أن لبعض الميكروبات القدرة على مقاومة عملية الهضم التي تتم داخل الخلايا اللاقمة بآليات عدة أحدها إعاقة إندماج الأجسام اللاقمة (Phagosome) مع الأجسام الحالَّة (Lysosome) المحتوية على إنزيمات التحلُّل المائي.

من وسائل الضراوة الأخرى الفاعلة التي تمتلكها الكائنات الدقيقة قدرة بعض الميكروبات على إنتاج مواد سامَّة “التوكسينات Toxins”. و تُقسَّم هذه التوكسينات إلى توكسينات خارجية و أخرى داخلية. و سوف يتم التعرض لهذا الموضوع بمزيد من التفصيل في الفصول القادمة.

 

5-   المناعة تجاه الميكروبات

يحمي جسم الإنسان نفسه ضد الغزو الميكروبي بعدد من الوسائل. و يمكن تقسيم الآليات الدفاعية إلى آليات غير متخصصة Innate و أخرى متخصصة Adaptive. تعتبر وسائل الدفاع غير المتخصِّصة خط الدفاع الأول عندما يواجه العائل الميكروب. لا يختص هذا النوع من الوسائل الدفاعية بميكروب دون غيره، بل هو موجَّه ضد جميع الكائنات الدقيقة و الأجسام الغريبة على حدِّ سواء. أمَّا الآليات الدفاعية المتخصِّصة فقد صُمِّمت للعمل عندما يتم إختراق الوسائل الدفاعية غير المتخصَّصة. و هذا يشمل التعرُّف على مكونات خاصة على أسطح الكائنات الدقيقة (الأنتيجينات Antigens) و إنتاج عوامل مناعية (الأجسام المضادة و الخلايا اللمفاوية التائية)، و أخيراً تكوين الذاكرة المناعية الموجَّهة ضد الميكروب المُعدي.

و عند التعرُّض للميكروب لأول وهله، فإن الإستجابة المناعية المتخصِّصة تكون بطيئة التفاعل، و لذلك، فإن الجسم في هذه المرحلة يعتمد بشكل كبير على الوسائل الدفاعية غير المتخصِّصة. بالرغم من ذلك، فإن التعرُّض التالي لنفس الميكروب سوف يولِّد إستجابة مناعية سريعة (الإستجابة المناعية الداعمة Booster dose) من قبل الجهاز المناعي المتخصِّص. إن الإستجابة المناعية الموجَّهة ضد الميكروبات هي عملية مُعقَّدة، و للمساعدة على فهمها فمن الضروري وصف الأجهزة المختلفة المشاركة في دفاعيات العائل.و لا يجب الإعتقاد بأن الوسائل الدفاعية المتخصِّصة تعمل بشكل مستقل عن الوسائل الدفاعية غير المتخصَّصة، بل إن كل الآليات الدفاعية تعمل بشكل متناسق و متناغم.

 

الوسائل الدفاعية غير المتخصِّصة

يمكن تقسيم الوسائل الدفاعية غير المتخصِّصة إلى:

–         الحواجز الكيميائية

–         الخلايا اللاقمة

–         و نظام المُكمِّل

يُمثِّل الجلد أهم الحولجز التي تعوق دخول الميكروبات إلى الجسم؛ فجفاف الجلد و حموضته و عملية تقشُّره المستمرة تمثِّل حاجز يستعصي على الكثير من الكائنات الدقيقة تجاوزه. إلا أن الجروح و الحروق و بعض الأمراض التي من شأنها الإضرار بالجلد تقلِّل من الفاعلية الدفاعية للجلد و بالتالي يمكن للميكروبات تجاوز هذا الحاجز الدفاعي.

تُمثِّل كل من البلاعم الكبيرة    (Macrophage) و الخلايا متعددة الأنوية (PMN`s) أهم الخلايا المناعية التي تقوم بعملية البلعمة الخلوية (Phagocytosis). كما تلعب الخلايا القاتلة الطبيعية (Natural Killer) دور هام في التعرُّف على الكائنات الدقيقة و خاصَّة الفيروسات بشكل غير متخصص و قبل شروع الوسائل الدفاعية المتخصِّصة بأخذ أدوارها.

البلاعم الكبيرة عبارة عن خلايا أحادية الأنوية (Monocytes) تنتج في نخاع العظم و تهاجر إلى العديد من أنسجة الجسم و بشكل خاص العقد اللمفاوِّية و الطحال. و يُطلق في العادة على البلاعم الكبيرة أسماء عِدَّة بحسب النسيج الذي تتواجد فيه على سبيل المثال تُعرف البلاعم الكبيرة في الكبد بإسم “Kupffer”، أما تلك الخلايا المتواجدة في الرئتين فتعرف بإسم Aleveolar” macrophage”. لهذه الخلايا العديد من الوظائف الحيوية مثل بلعمة الخلايا و قتل الميكروبات داخل هذه الخلايا و تصنيع مكونات المكمَّل و السيتوكينات.

تنشأ الخلايا متعددة الأنوية (Polymorphes) من خلايا جذعية في نخاع العظم. و توجد بشكل أساسي في الدورة الدموية. و قد تظهر هذه الخلايا في الأنسجة فقط كجزء من العمليات الإلتهابية. تتواجد الغالبية العظمى من الخلايا المُحبَّبة متعددة الأنوية (PMN`s) في الطحال و بطانة الأوعية الدموية، و يتم إستقدام هذه الخلايا في حالات العدوى بالميكروبات. و إن الوظيفة الأساسية لهذه الخلايا هي عملية بلعمة الميكروبات و القضاء عليها.

البلعمة الخلوية Phagocytosis

البلعمة الخلوية هي الآلية التي تقوم بها الخلايا اللاقمة بتناول و إلتهام الجزيئات، مثل خلايا البكتريا، إلى داخل الخلية. تنجذب الخلايا البلعمية إلى الخلايا المستهدفة بواسطة مركبات كيميائية يُطلق عليها الجواذب الكيميائية (Chemotaxis). تشمل هذه المركبات الكيميائية نواتج بكتيرية و وسائط ناتجة عن عملية الإلتهاب مثل بعض نواتج نظام المُكمِّل. بعد وصول البلاعم الكبيرة إلى مناطق الجذب الكيميائي  تبدأ خلايا البكتريا بالإلتصاق إلى الخلايا البلعمية بآليات غير متخصِّصة و ذلك إعتماداً على الخصائص الفيزيائية و الكيميائية لسطح خلية البكتريا. في الخطوة التالية يتم إلتهام الخلايا البكتيرية من قبل الخلايا البلعمية بأسلوب مشابه للطريقة المشاهدة في إبتلاع الأميبيا للجزيئات حيث تكوِّن أرجل كاذبة (Pseudopodia) حول خلية البكتريا. و يتم في خاتمة المطاف تطويق الميكروب داخل جسم لاقم (Phagosome). و يتم داخل الخلايا اللاقمة القضاء على الأجسام الغريبة عن طريق إندماج الأجسام اللاقمة مع الأجسام الحالَّة (Lysosome) التي تحتوي على العديد من الإنزيمات المُحلِّله. عملية الإندماج هذه تؤدي إلى تكوين أجسام يُطلق عليها الأجسام اللاقمة المُحلِّله (Phagolysosome).

 

 

الآليات الدفاعية المتخصِّصة

طوَّرت معظم الكائنات المُمْرضة وسائل و إستراتيجيات (مثل الكبسولة و التوكسينات) و ذلك كي تتفادى أليات الدفاع غير المتخصِّصة. و يُشار إلى هذه الوسائل بعوامل الضراوة. و إستجابة لذلك، فإن العائل طوَّر أليات دفاعية متخصِّصة تعتمد في أساسها على التعرُّف على البروتينات الغريبة و الجزيئات الأخرى و التي تُعرف بالأنتيجينات (Antigens)، و ذلك من خلال تكوين جلوبيولينات مناعية متخِّصصة (الأجسام المضادة Antibodies) و كذلك الخلايا اللمفاوية التائية (T). تعمل هذه الوسائل الدفاعية على معادلة تأثير الميكروبات الغازية أو نواتجها (مثل التوكسينات) و تدعم بشكل فاعل الجهاز المناعي غير المتخصِّص.

 

الأنتيجينات. هي مركبات كيميائية قادرة على تحفيز الجهاز المناعي بشكل متخصِّص و إنتاج إستجابة مناعية متخصِّصة على شكل أجسام مضادة أو خلايا تائيَّة. تتواجد الأنتيجينات على أسطح الكائنات الدقيقة و هي تمثِّل مجموعة متباينة من البروتينات و الكربوهيدرات و البروتينات السكرية و البروتينات الدهنية. و تتباين الأنتيجينات في قدرتها على تحفيز الجهاز المناعي. و تمثِّل الأغلفة الميكروبية و الأسواط و التوكيسينات مجموعة متباينة من الأنتيجينات المُستهدفة من قبل الجهاز المناعي المتخصِّص للعائل.

 

الأجسام المضادة (Antibodies). يمكن تقسيم الأجسام المضادة (الجلوبيولينات المناعية) إلى خمسة صفوف أساسية هي IgG, IgM, IgA, IgE, وIgD، و التي تتباين في العديد من الخصائص الفيزيائية و الحيوية. لجميع الجلوبيولينات المناعية التركيب الأساسي نفسه. فالجزء Fab (الجزء الرابط للأنتيجين) من الجسم المضاد هو الجزء الذي يرتبط بشكل متخصِّص إلى الأنتيجين. أما الجزء Fc من الجسم المضاد فيرتبط إلى مستقبلات خاصة به تتواجد على الخلايا البلعمية مما يعمل على تسهيل عملية البلعمة الخلوية (Opsonization). يعمل الجزء Fc كذلك على تنشيط المُكمِّل من خلال الإرتباط بالمكوِّن C3b.

 

الخلايا اللمفاوية Lymphocytes

 

تُشتق الخلايا اللمفاوية من خلايا جذعية تنشأ من الغدَّة الثيموثية و نخاع العظام. توجد الخلايا اللمفاوية بشكل أساسي في العقد اللمفاوية و الطحال. تُقسم الخلايا اللمفاوية بشكل أساسي إلى مجموعتين من الخلايا هي الخلايا البائية (B cells) و تُعرف بهذا الإسم لأنها تصل مرحلة النضج في مرحلة النضج في نخاع العظام، و الخلايا التائية (T cells) التي تصل مرحلة النضج في الغدة الثيموثية Thymus. و على أساس الجزيئات و الدلائل السطحية على الخلايا اللمفاوية يمكن تقسيم هذه الخلايا إلى تحت مجاميع. يُطلق على أهم المجاميع الأنتيجينية المستخدمة في تصنيف الخلايا اللمفاوية Clusture determinants.

 

الخلايا اللمفاوية البائية

تمتلك الخلايا اللمفاوية البائية جلوبيولينات مناعية على أسطحها الخارجية. و خلال عملية التمايز، فإن الخلايا اللمفاوية البائية تمتلك جلوبيولينات مناعية على أسطحها الخارجية خاصة بنوع محدد من الأنتيجنات؛ و يُقال عندئذ أن هذه الخلايا اللمفاوية البائية خلايا فاعلة. تعرُّف الخلايا اللمفاوية على الأنتيجينات الغريبة (الميكروبات الغازية) يؤدي إلى إنتاج نسيلية (Clonal) تجاه نوع محدد من الأجسام المضادة الخاصة بهذا الأنتيجين. يُطلق على الخلايا اللمفاوية البائية القادرة على إنتاج الأجسام المضادة بالخلايا البلازمية (Plasma cells). تتحول بعض الخلايا المنتجة للأجسام المضادة إلى خلايا ذاكرة و تكون مسئولة عن الإستجابة المناعية الثانوية التي تتميز بسرعتها و فاعليتها و ذلك عند مجابهة نفس الميكروب أو الأنتيجين مرة أخرى.

يزداد تركيز IgM في الإستجابة المناعية الإبتدائية، إلا أن تركيزه ينخفض تدريجياً ليحل عنه الجسم المضاد من النمط IgG.

 

الخلايا اللمفاوية التائية

تمتلك الخلايا اللمفاوية التائية كلك مستقبلات سطحية قادرة على التعرُف على الأنتيجينات، و كما هو الحال مع الخلايا اللمفاوية البائية، فإن الخلايا اللمفاوية التائية تمثِّل مستقبِل أحادي لأنتيجين محدَّد. كما يحدث التضاعف النسيلي للخلايا التائية كإستجابة للأنتيجينات. هناك عدة أنواع من الخلايا التائية و التي يمكن التعرُّف عليها و عزلها من خلال أنتيجينات التمايز المتواجدة على أسطحها. يتواجد الأنتيجين CD4 على أسطح الخلايا التائية المساعدة (Th4)، أما الأنتيجين (CD8) فيتواجد على أسطح الخلايا التائية القاتلة أو السَّامَّة (TC).

للخلايا اللمفاوية التائية و البلاعم الكبيرة دور هام في المناعة الخلوية المضادة للفيروسات و البكتريا التي تمتلك القدرة على النمو داخل الخلايا اللاقمة على سبيل المثال بكتريا السُّل.

 

السيتوكينات Cytokines 

السيتوكينات عبارة عن مركبات كيميائية تلعب دوراً هاماً في عمليات التواصل الخلوي. و تشمل الإنترليوكينات Interleukins و الإنترفيرونات Interferons و عدد آخر من المركبات مثل Tumor necrosis factor (TNF) و Colony stimulating factor (GM-CSF) الذي يعمل على تحفيز الخلايا المُحبَّبة و الخلايا أحادية الأنوية.

هناك عدد من الوظائف التي تقوم بها السيتوكينات مثل تضاعف الخلايا و تمايزها و تنشيطها. و إن فهمنا لوظائف هذه المركبات لم يساعدنا فقط على فهم وظائف الجهاز المناعي فحسب، بل مكننا من إستخدام هذه العوامل كوسائل في علاج العديد من الأمراض.

 

6-   العدوى في المرضى المحبطين مناعياً

يتألف الجهاز المناعي من وسائل دفاعية متخصِّصة التي تمثلها المناعة الخلوية و المناعة بواسطة الأجسام المضادة، و وسائل دفاع غير متخصِّصة يُمثِّلها الجلد و الأغشية المخاطيِّة و نظام المكمِّل و الخلايا اللاقمة. و عند إختزال دور أي من هذه الوسائل الدفاعية في العائل، فإن العائل يقع عند ذلك في منطقة الإحباط المناعي (Immune compromised). المرضى المحبطين مناعياً أكثر قابلية لتكرار الإصابات الخطرة، و قد تحدث العدوى لدى هؤلاء المرضى المحبطين مناعياً إما من قبل الميكروبات المُمرضة التقليدية أي تلك الميكروبات القادرة على إحداث المرض  في الأفراد الأصحاء، أو قد تحدث الإصابة من قبل ميكروبات لا تُسبب عادة المرض في الأفراد الأصحاء. أنواع متباينة من الإعتلالات و الإختلالات المناعية ربما تجعل العائل عُرضة للعدوى بأنواع معيَّنه من الميكروبات.

فإستخدام القساطر في الإجرءآت الطبِّيَّة المختلفة يعمل على إختراق الجلد و بالتالي يُهيِّء المجال أمام الميكروبات المتعايشة للعبور إلى المواقع العميقة من الأنسجة. يرتيط هذا النوع من العدوى الميكروبية بصورة شائعة مع بكتريا ستافيلوكوكس غير المفرزة لإنزيم الكوأجيوليز (Coagulase) إلى الجسم أثناء العمليات الجراحية ذاتها. لهذه الميكروبات القدرة على الإلتصاق إلى أسطح الأعضاء الصناعية المغروسة و التسبب في إنتشار العدوى داخل الجسم.

 

الإحباط المناعي و الإصابات الميكروبية المرتبطة بالحروق. الحروق التي تتسبب في تضرر مساحات واسعة من الجسم تعمل أيضاً على الإخلال بوظائف الخلايا المتعادلة (Neutrophil) و كذلك الإستجابة المناعية بواسطة الأجسام المضادة. فالسوائل التي تنضح من مواقع الحروق تُهيِّء وسطاً غذائياً خصباً للعديد من الميكروبات المُستعمِرة و هذا بالتالي يؤدي إلى حدوث العدوى. الميكروبات الغالبة في عدوى الحروق تشمل العصويات الهوائي السالبة لجرام مثل Pseudomonas aeroginosa، S aureus، Streptococcus pyrogenes.

تعتمد طبيعة العدوى الميكروبيَّة و كثافتها على طبيعة الإحباط المناعي و درجته. فقد يكون الإحباط المناعي بسيط أو عابر، كما هو الحال أثناء الحمل، حيث تنخفض بعض المؤشرات المناعية لدى المرأة الحامل، و كما هو الحال في الأطفال حديثي الولادة. و قد تكون حالات الإحباط المناعي أكثر عُمقاً، كما هو الحال في حالات النقص المناعي الورثي أو النقص المناعي المكتسب الناتج عن التعرُّض للعقاقير السَّامة للخلايا (Cytotoxic drugs) المستخدمة في علاج الأورام السرطانية  أو كإجراء لتقبُّل الأعضاء المغروسة. أو التعرُّض للأشعَّة و العديد من المواد السَّامة. هذا النوع من الإحباط المناعي يكون قوياً. و في مثل هذه الحالات فإن هذه الظروف من الإحباط المناعي تُهيِّء للميكروبات المتعايشة فُرصة قوية كي تُظهر قدراتها الإمراضية التي عجزت عنها في تواجد أجهزة مناعية سليمة.

وبشكل عام، فإن النقص في الإستجابة المناعية الخلوية يؤدي إلى زيادة معنوية في الإصابات الفيروسية أو الميكروبية التي يعتمد التخلُّص منها على الجهاز المناعي الخلوي. في حين أن نقص إستجابة الأجسام المضادة يتسبب في زياد الإصابة بالبكتريا. و قد تُسبب العمليات الجراحية و الإجهادات النفسيَّة حدوث نقص عابر في القدرات المناعية، إلا أن إستعادة كامل نشاط الجهاز المناعي يعتمد على التخلُّص من هذه الضغوط المؤقَّته.

 

7- التمنيع (Immunization)

إن الهدف من عملية التمنيع هو زيادة عناصر المناعة المُتخصَّصة تجاه العدوى الميكروبية. و يمكننا إنجاز ذلك من خلال حقن الأمصال المناعية، و هو ما يُعرف بالتمنيع السالب Passive immunization)) أو من خلال إعطاء الأنتيجينات التي تُحفِّز الجهاز المناعي للعائل بدون أن تتسبب في إحداث المرض، وهذه هي إحدى صور التمنيع النشط (Active immunization).

 

التمنيع السالب (Passive immunization)

يُهيِّء التمنيع السالب، أو ما يُعرف بالعلاج المناعي (Immunotherapy)، حماية سريعة المفعول. غير أن هذه المناعة المصطَّنعة بواسطة الأجسام المضادة سرعان ما تتلاشى في فترة زمنية قصيرة قد لا تتجاوز الستة أشهر. الأجسام المضادة المستخدمة في هذا النوع من عمليات التمنيع يتم الحصول عليها من خلال أفراد متطوعين تعرَضوا للقاحات حديثاً، حيث يمتلك مثل هؤلاء الأفراد تركيزات عالية من الأجسام المضادة لنوع محدَّد من الميكروبات. بالرغم من ذلك، فإن الأجسام المضادة للميكروبات شائعة التواجد، على سبيل المثال إلتهاب الكبد A، تكون مرتفعة في أفراد المجتمع عموماً، مما يسمح بإستخدام الجلوبيولينات المناعية سابقة التصنيع في الحالات التالية:

–         في الأفراد الأصحاء عند التعرض لبعض الميكروبات المُمْرضة (الدفتريا، داء الكَلَب، إلتهاب الكبد) و تطلَّب الأمر إنشاء حالة سريعة من الإستجابة المناعية.

–         عند الحاجة للحصول على حالة وقائية في المرضى المحبطين مناعياً و المصابين بأنواع محددة من الميكروبات مثل الحصبة(Measles)  أو الإصابة بفيروسات الهربس (Varicella-zoster)

–         في حالات علاج العدوى في مرضى الإحباط المناعي الناتج عن العلاج بالعقاقير السَّامة للخلايا.

يمكن كذلك الحصول على الأجسام المضادة من خلال حقن الأنتيجينات، كالميكروبات أو جزء منها أو التوكسينات التي تفرزها، إلى حيوانات مثل الأحصنة و الحصول على الأمصال المضادة بكميات وفيرة. إلا أن أحد عوائق هذه العملية هو تعرُّف الجهاز المناعي للعائل على هذه الأجسام المضادة على أنها أجسام غريبة  و مهاجمتها و التخلُّص منها في فترة وجيزة و بالتالي ظهور الحاجة إلى تكرار الجرعة. إضافة إلى إحتمالية تكوّن نوع من التحسُّس تجاه هذا النوع من الأجسام المضادة غريبة المصدر.

التمنيع النشط (Active immunization)

إن أساس هذا النوع من عمليات التمنيع يعتمد على تحفيز إنتاج الخلايا البائية و خلايا تائية متخصِّصة (إستجابة مناعية إبتدائية) و التي تتطور إلى خلايا ذاكرة. إن التعرُّض التالي لنفس الميكروب سوف يؤدي بالتالي إلى إستجابة مناعية سريعة (إستجابة مناعية ثانوية). إن أحد أهم مزايا التمنيع النشط هو إستدامة الوقاية تجاه الميكروب أو الأنتيجين لفترة طويلة من الوقت. و غالباً ما تستمر هذه الوقاية طيلة العمر إلا أنها تحتاج أسابيع عدة كي تكون فاعلة. و تعتمد إستراتيجيات هذا النوع من التمنيع على:

–         وقاية الأفراد من العدوى الميكروبية

–         إختزال مُعدَّل العدوى في المجتمعات

–         إستئصال العدوى في مناطق معينة أو على مستوى العالم، على سبيل المثال إستئصال مرض الجدري (Smallpox).

هناك عدة شروط يجب توافرها في اللقاحات (الفاكسينات) و هي:

–         أن تكون اللقاحات قادرةً على إستحثاث كمِّية كافية و مناسبة من الإستجابة المناعية بدون أن تتسبب في حدوث عدوى فاعلة.

–         أن تكون آمنة الإستخدام

–         أن تكون غير باهظة الثمن

–         لها ثباتية بحيث يستطيع الجهاز المناعي التعرُّف عليها و تكوين إستجابة مناعية مناسبة لها

–         أن تكون سهلة التناول.

أنواع اللقاحات. يمكن تقسيم اللقاحات إلى عدة أنواع، فهناك اللقاحات المُضعَّفة (live Attenuated)، و الكائنات المقتولة و أيضاً التوكسيدات (Toxoids).

–         اللقاحات الحيَّة المُضعَّفه (Live attenuated vaccines). تُحضَّز هذه اللقاحات من ميكروبات تم تعديل أو تعطيل قدراتها الإمراضية مع الحفاظ على قدراتها المناعية. هناك وسائل و طُرق عِدَّة لإضعاف القدرات الإمراضية للميكروبات أحدها تمرير الميكروب خلال مزارع مُصْطَنعة لمرات عدة يفقد خلالها الميكروب قدرته على إحداث العدوى لكنه يحتفظ بنفس قدراته الأنتيجينة التي تُحفِّز الجهاز المناعي. تُستخدم هذه الآلية لتحضير العديد من الفاكسينات الفيروسية و كذلك اللقاح الخاص ببكتريا السُّل (Bacille Calmette Guerin BCG).

–         المزايا التي يُهيئها هذا النوع من التمنيع أن عملية تضاعف الميكروب المُضعَّف تُحاكي بشكل كبير الإصابة الحقيقية. و في الغالب، فإن عملية التمنيع تتطلب جرعة واحدة فقط، كما أن هذا النوع من التمنيع غير مكلف.

–         أما المضاعفات المحتمل حدوثها بسبب هذا النوع من اللقاحات فهو إمكانية حدوث الطفرات في الميكروب مما قد يؤدِّي إلى ظهور سلالات ضارية. كما أن المزارع الخلوية المستخدمة لإنتاج الفيروسات قد تُصبح ملوثة بفيروسات أخرى. كما يجب عدم تعريض الأفراد المحبطين مناعياً لمثل هذا النوع من اللقاحات، كما أنه لا يجب تعريض النساء الحوامل لهذا النوع من اللقاحات.

الكائنات المقتولة. يمكن قتل الميكروبات بوسائل عدَّة لتحجيم قدراتها الإمراضية و ذلك إما من خلال معالجتها بالحرارة أو المواد الكيميائية مع الإحتفاظ بقدراتها المناعية على إستحثاث و تحفيز الجهاز المناعي للعائل. من مميزات هذه اللقاحات هو إمكانية إعطائها للأفراد المحبطين مناعياً، إذ أنها سلالات ميِّته لا يمكن أن تتحول إلى أفراد ضارية. و في المقابل، فإن هذه الكائنات عاجزة عن التضاعف في الأنسجة، و بالتالي قد يتطلب الأمر عدة جرع للوصول إلى الأثر المطلوب. كما أن هذا النوع من اللقاحات يعتبر مرتفع الثمن نسبياً مقارنة باللقاحات المقتولة.

التوكسيدات (Toxoids) عبارة عن توكسينات مُضعَّفة تم معاملتها بالمواد الكيميائية (الفورمالدهيد على سبيل المثال) مما أدَّى إلى فقدانها قدراتها السَّامة مع الإحتفاظ بقدرتها على تحفيز إستجابة مناعية فاعلة. من أمثلة التوكسينات المعاملة بهذه الطريقة لإنتاج اللقاحات توكسين الدفتريا و توكسين التيتانوس.

و عوضاً عن إستخدام كامل الجزيء الميكروبي، فإنه بالإمكان تعريف و تنقية الوحدة الأنتيجينية الأهم  لإستخدامها في إستحثاث الجهاز المناعي. و مثال ذلك هو إستخدام اللقاحات الخاصَّة بالكبسولة متعددة السكريات في التمنيع ضد بكتريا ستربتوكوكس Pneumococci المُسبِّبة لإلتهاب السحايا (Meningococci) و كذلك بكتريا H infuenzae النمط B. يمكن الآن تصنيع بعضاً من هذه الأنتيجينات بواسطة تقنيات الهندسة الوراثية.

 

أحمد مصطفى كمال البوَّاب