تخطي التنقل

Monthly Archives: جانفي 2014

التَغَيٌّرَاتْ الَّتِي تَطْرَأ عَلَى

 

جِسْمْ الِإنْسَانْ بَعْدَ الْمَوٌتْ

 

Changes Affect Human Bodies after Death

إعداد

 

أحمد مٌصْطَفَى كَمَالْ البَوَّابْ

Ahmed Mustafa Kamal Al-Bawab

عَبْدْ السَّتَّار مُحَمَّدْ دِيَابْ

Abdulsattar Muhammed Diab

 

(كُلِّيَّة الطِّبّْ- جامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصِّحيَّة)

College of Medicine, KSAU-HS

التغيُّرات التي تطرأ على جسم الإنْسان بعد الموت

 

مُقدِّمة

من المقبول القول أنه إذا حدث توقف للقلب بصورة غير رجعية، فإن الشخص قد فارق الحياة، و عندها سوف تتوقف جميع خلايا الجسم عن أداء الوظائف الأيضيَّة الطبيعيَّة، و سوف تبدأ عمليات تحلُّل و تعفُّن الجسم.

و بشكل أساسي، فإنه يمكن تحديد هذه التغيرات بيوكيميائياً فقط؛ إذ تبدأ الخلايا بتنشيط المسار الأيضي الذي يعمل على تحلل الخلية ذاتياً. و في نهاية المطاف، فإن هذه التغيرات التي تطرأ على خلايا الجسم تصبح بارزة للعيان. و تمتلك هذه التغيرات أهميتها لسببين. الأول: لأن هناك حاجة من قبل الطبيب لمعرفة الأحداث الطبيعيَّة  لتحلُّل الجُثَّة، و بالتالي كي لا يتم الخلط بين التغيرات الطبيعيَّة التي تطرأ على الجسم و حدوث الموت بشكل غير طبيعي. و ثانياً: أن هذه المشاهدات المُتعلِّقة بالموت الطبيعي قد تُستخدم لتقدير الفترة الزمنية التي مضت على حدوث الوفاة (PMI).

إن مظهر الجسم بعد الوفاة يعكس التغيرات التي تعتمد على الفترة الزمنية التي مضت على الوفاة. إلا أن مصداقية و دقَّة الدلائل التقليدية للفترة الزمنية المُنصرمة بعد الوفاة أصبحت مجالاً متزايداً للجدل. حيث تعتمد هذه المظاهر على عوامل بيئية و حيوية غير مفهومة بشكل كامل.

الفترة القريبة المنصرمة بعد الوفاة مباشرة

التغيرات السريعة عقب الموت

عند توقُّف القلب و إنقطاع التنفُّس، يحدث هبوط مباشر في ضغط الدَّم كما يتوقف إمداد خلايا الجسم بالأكسجين. مبدئياً، يمكن للخلايا أن تستخدم المسارات الأيضية اللاهوائية Anoxic pathway)) حتى تُستنفذ مخازنها الأيضيَّة، ثم يبدأ بعد ذلك أيضها بالإنحدار. و مع فشل النشاط العصبي تتوقف جميع النشاطات العصبيَّة و تُفقد الإنعكاسات و يتوقف التنفس. و في العين يتوقَّف إنعكاس القرنية و يتوقف تفاعل بؤبؤ العين مع الضوء. و إن فحص الأوعية الدموية في شبكية العين بإستخدام منظار العين يوضِّح حدوث تشقُّقات في الاوعية الدموية. و تفقد العين الضغط بداخلها.

ترتخي العضلات بشكل سريع (الإرتخاء الإبتدائي) مع فقدان الإستجابة للمؤثرات. إلا أنها قد تستعيد نشاطها و تستجيب لعملية اللَّمس و الهزّْ و الصور الأخرى للتحفيز لعدة ساعات بعد توقف القلب. و إن الإفرازات الناتجة عن الأعصاب الحركية الميِّتة قد تحفِّز مجموعات صغيرة من خلايا العضلات، بالرغم من تضاؤل ذلك مع مرور الوقت.

إن الإنخفاض في ضغط الدَّم و إنقطاع الدورة الدموية غالباً ما يجعل الجلد و الملتحمة و الأغشية المخاطية باهتة اللَّون. و قد يبقى الجلد في منطقة الوجه و الشفاه أحمر أو أزرق اللَّون في حالات الوفاة الناتجة عن نقص الأكسجين. و تموت بصيلات الشعر في نفس الوقت الذي يموت فيه الجلد. و ليس صحيحاً ما يُقال من إستمرارية نمو الشعر بعد الوفاة.

إن فقدان إستجابة العضلات قد يتسبَّب في خروج البول، و هو مظهر شائع الحدوث، و ليس له علاقة بالموت الناتج عن حالات الصرع أو الإختناق. كما أن دفق المنى يمكن أن يتواجد في بعض حالات الوفاة؛ و لذلك، فإن وجود المني لا يمكن إستخدامه كدليل على حدوث نشاط جنسي قبل الوفاة بوقت قصير.

إن إسترجاع محتويات المعدة حدث شائع في حالات الإنهيار النهائي. و هو كذلك أحد مضاعفات الإنعاش القلبي الرئوي. و يمكن التعرُّف على محتويات المعدة في الفم أو مجرى الهواء بكميات مُعتبرة في جميع الجثامين قريباً. و إن وُجود هذه المواد لا يمكن إستخدامها كدليل على أن خروج محتويات المعدة هي السبب في حدوث الوفاة مالم يتم تدعيم ذلك من قِبَل شاهد عيان أو من خلال مشاهدات مجهرية لمخلفات الطعام في مجاري الهواء بالإرتباط مع حدوث إستجابة إلتهابية.

 

تصلُّب الموتى Rigor mortis

يمكن تعريف تصلُّب الموتى بأبسط صوره على أنه تغيُّر فيزيائي كيميائي يعتمد على التغيُّر في درجة الحرارة ينشأ داخل الخلايا العضلية كنتيجة لفقدان الأكسجين. و يعني فقدان الأكسجين أنه لا يمكن الحصول على الطاقة من الجليكوجين عبر الجلوكوز بإستخدام الأكسدة الفوسفوريَّة؛ و ينتج عنه توقُّف إنتاج مركَّب الطاقة ATP. و عليه، فإن العمليات اللاهوائية تأخذ مجراها لفترة قصيرة من الوقت و لكن مع تراكم حمض اللاكتيك، و هو الناتج العرضي لعملية التنفُّس اللاهوائي. و من ثَّم يصبح الوسط داخل سيتوبلازم الخلايا حمضياً. و مع الإنخفاض في مستوى مركَّب الطاقة ATP و إرتفاع الحموضة داخل الخلايا تتلاصق ألياف الأكتين و الميوسين معاً مكونة مادة هلامية. و تكون المحصِّلة النهائية الناتجة عن هذا التغيُّر الأيضي الخلوي المعقَّد هو تصلُّب العضلات. بالرغم من ذلك، فإن هذه العضلات لا تتقلَّص مالم تتعرض لضغط. و من الحديث السابق يتضح أنه إذ إنخفض مستوى الجليكوجين في العضلات، و إذا أصبحت الخلايا العضلية حمضية وقت الوفاة، كنتيجة للتمارين الرياضيَّة، فإن عملية التصلُّب العضلي سوف تتطور بشكل أسرع. و كذلك في حالات الصعق الكهربي يحدث التصلُّب العضلي بشكل سريع، و هذا قد يحدث بسبب التحفيز المتكرِّر للعضلات. و بشكل عكسي، في صغار السِّن و في كبار السِّن أو في الأفراد المصابين بالهزال الجسدي، فقد يكون من الصعب جداً إكتشاف تصلُّب العضلات بسبب قِلَّة الكتلة العضلية.

إن تصلُّب عضلات الموتى يتطوَّر بشكل غير متوازن في أجزاء الجسم المختلفة، و لكن، بشكل عام، يمكن تحديده مبدئياً في المجاميع العضلية الصغيرة؛ مثل تلك العضلات المتواجدة حول العين و الفم و الفكّْ و الأصابع. و يبدو أن عملية التصلُّب تتقدّم في إتجاه أسفل الجسم من الرأس إلى الأقدام، حيث تبدأ العضلات الأكبر حجماً بالتصلُّب أولاً. إن الإستخدام الوحيد لأهميَّة وجود أو غياب تصلُّب العضلات يقع في تقيِّم وقت الوفاة. و الكلمة المستخدمة هنا هي “تقيِّم”، و ذلك أن عملية تصلُّب العضلات عملية متباينة لا يمكن لها أبداً أن تُعطي صورة دقيقة لوقت حدوث الوفاة. و يجب أخذ الحذر الشديد عند محاولة تحديد وقت الوفاة إعتماداً على درجة و مدى تصلُّب العضلات. و إن الجداول أو الرسوم البيانية المعتمدة على تحديد وقت الوفاة من خلال تصلُّب العضلات يجب التعامل معها بحرص شديد. و بحدّْ ذاته، فإن تصلُّب العضلات بعد الوفاة له قيمة بسيطة جداً كدليل على الفترة المنصرمة بعد الوفاة، و ذلك بسبب العوامل الكثيرة المؤثرة عليه. إن العمليات الكيميائية التي تتسبب في تصلُّب العضلات، كما هو الحال مع جميع التفاعلات الكيميائية، تتأثر بدرجة الحرارة. فدرجة الحرارة المنخفضة تُبطيء من سرعة التفاعل و العكس بالعكس. ففي الأجسام الباردة، سوف تتأخر بداية عملية تصلُّب العضلات، في حين أن الأجسام التي تقبع في بيئات دافئة سوف تحدث عملية تصلب العضلات لديها بشكل أسرع. و من الضروري كذلك الإنتباه إلى الوسط الدقيق حول الجسم عند معاينة عملية تصلُّب العضلات. فالجسم الممدَّد أمام النَّار أو في حمَّام مائي حار سوف يتطوَّر لديه تصلُّب العضلات بشكل أسرع فيما لو كان الجسم ملقي خارجاً تحت البرد. و عندما تكون عملية التبريد بعد الوفاة للجسم شديدة، فإن تصلُّب الجسم قد ينشأ من التأثيرات الفيزيائية لعملية التبريد أو التجميد أكثر من كونها سبب عملية تصلُّب العضلات. و يمكن أن يتضح هذا عند تحريك الجسم إلى منطقة أدفأ (غالباً عند نقل الجثمان إلى مكان الدَّفن)، و إن عملية التصلُّب الناتجة عن التبريد سوف تختفي مع تدفئة الجسم. و بإستمرار ومتابعة الجثمان، فقد يتضح حدوث التصلُّب الحقيقي و الذي يأخذ مساره من خلال المسارات الكيميائية الخلوية.

و في المناطق معتدلة المناخ، يمكن تحديد عملية تصلُّب العضلات بشكل عام في الوجه بين حوالي الساعة و الأربع ساعات من وقت الوفاة، و في الأطراف بين حوالي 3-6 ساعات بعد الوفاة، مع وصول وتيرة التصلُّب أقصاها عند حوالي 18 ساعة بعد الوفاة. و بمجرّد تحديده، فإن تصلُّب العضلات عقب الوفاة يستمر لحوالي 50 ساعة تقريباً بعد الوفاة حتى حدوث التحلُّل الذَّاتي و تفكُّك خلايا العضلات، عندئذ ترتخي العضلات مرة أخرى. إلا أن هذه الفترات الزمنية التي تمَّ الإشارة لها هي مجرَّد خطوط إرشاديَّة فقط، و لا يمكن أن تكون أكيدة بحال من الأحوال.

صورة 

هذا الشخص متوفِّي بشكل طبيعي من حوالي 10 ساعات. لاحظ وضعية الأذرع في الوضع القائم و هذا بسبب ظاهرة تصلُّب الموتى. و سوف يبقى الجسم متصلباً لمدة تتراوح بين 24- 36 ساعة قبل أن يبدأ إرتخاء العضلات

و من الأفضل إختبار التصلُّب بين المفاصل بإستخدام ضغط خفيف جداً من إصبع أو إصبعين فقط. و إن الهدف من ذلك هو تحديد التصلُّب و مدى إمتداده و ليس كسره. و إذا تعرَّض التصلُّب للكسر، بإستخدام الكثير من القوَّة، فإن هذه المجاميع العضلية لا يمكن إختبارها بثقة مرة أخرى.

التصلُّب المباشر للجثث بعد الموت

يُقال أن التصلُّب المباشر للجثث بعد الموت (Cadaveric Rigidity) هو تصلُّب (Stiffness) العضلات التي حدث فيها التصلُّب مباشرة بعد الموت، و إن أساس هذا المفهوم هو وجود بعض المواد التي تم قبضها بإحكام في أيادي المتوفين قبل بدء الفترة الطبيعية لتصلُّب عضلات الموتى. و في معظم الحالات يُقال أن ذلك له علاقة بالأفراد الذين يكونون عند مستويات عاطفية عالية أو تحت ضغوط نفسية قبل الوفاة مباشرة. و قد يُسجَّل هذا النوع من التصلب العضلي المباشر لدى  الجنود المحاربين في أرض المعركة؛ إلا أن هناك العديد من التقارير التي تحدَّثت عن أفراد تم إنتشالهم من الأنهار و كانوا يقبضون على أعشاب  أو أغصان في أيديهم بشكل قوي. و في الأشخاص الذين يقومون بإطلاق النار على أنفسهم في حالات الإنتحار و جد أنهم يقبضون على زناد الإطلاق بشكل مُحكم. و يُعتقد أن آلية هذه الظاهرة ربما تكون عصبيَّة؛ إلا أنه لا يُوجد تفسير علمي مُقنع لذلك قد تم إعتماده. إلا أنه من الواضح أن هذه الظاهرة لا تتبع نفس العمليات الكيميائية كتصلُّب العضلات الحقيقي الذي يحدث بعد عدة ساعات من الوفاة.

صورة

لاحظ تصلُّب الأصبع على زناد الإطلاق بعد عملية الإنتحار

ترسُّب الدَّم عقب الموت

إن إنقطاع دوران الدَّم و إنخفاض إستجابة عضلات الأوعية الدمويَّة يسمح بحركة بسيطة للسوائل كي تحدث داخل الأوعية الدمويَّة. إن ترسُّب الدَّم أو وُجود حياة في أجزاء معيَّنة من جسم الشخص المتوفي هي المصطلحات المستخدمة لوصف المظاهر المرئية لهذه الظاهرة. نظرياً هناك تيارات تحدث بين المناطق الدافئة و المناطق الباردة من جسم الشخص المتوفي، و قد يكون هذا ضرورياً في إعادة توزيع العقاقير و المواد الكيميائية بعد حدوث الوفاة. كما أن هناك أيضاً إمتلاء للأوعية الدموية المستقلَّة. إن عملية الترسب التلقائي (السلبي) لخلايا الدَّم تحت تأثير الجاذبية على الأوعية الدموية في الأطراف السُفلية للجسم له أهمِّيته في الطِّب الجنائي. فهذا يتسبَّب في ظهور لون زهري أو لون أزرق في هذه المناطق السُّفلية. و هذه التغيرات اللونيَّة ناتجة عن إنخفاض جريان أو ترسُّب الدَّم عقب الوفاة. إلا أن المظاهر الناتجة عن ترسُّب الدَّم عقب الوفاة لا تشاهد في جميع الجثامين. فقد تغيب هذه المظاهر في صغار السِّن و في كبار السِّن و في الأفراد الذين يعانون إكلينيكياً من فقر دموي أو في أُولئك الأشخاص الذين قضوا نحبهم بسبب نزف دموي غزير. كما قد تختفي هذه المظاهر في الأفراد المتوفين ذوي البشرة الداكنة، و في حالات الأفراد الذين يعانون من حالات اليرقان (الصفراء)، و كذلك في بعض أمراض الجلد. و في ظاهرة ترسُّب الدَّم يحدث أن تنتفخ الأوعية الدموية السطحيَّة بالدَّم. و إن إنضغاط الجلد بسبب التلاصق مع سطح قاسي، على سبيل المثال، سوف يمنع هذا الإنتفاخ، و سوف يتسبَّب في ظهور مناطق شاحبة بشكل كُلِّي أو جزئي مع مناطق إنخفاض جريان الدَّم. إن مناطق الشحوب النسبي مع مناطق إنخفاض جريان الدَّم قد تنتج أيضاً بسبب الضغط الناتج عن الملابس أو بسبب إحتكاك مناطق الجسم مع بعضها، و في هذه الحالة تحدث صورة متطابقة من الشحوب في كلا الجهتين المتلاصقتين من الجسم. و إن موقع و توزيع ترسُّب الدَّم يجب أخذه في الحسبان على ضوء وضعية الجسم بعد الوفاة. فالجسم المتروك متدلياً بعد الشنق سوف يتطوَّر لديه بطء عميق في ترسيب الدَّم في الأطراف السُفلية و الأيادي، مع عدم وضوح تلك الظاهرة على الجذع (الرأس و الصدر و البطن)، في حين أن الجسم الذي يتدلى فيه الرأس جزئياً في بداية الوفاة خارج السرير سوف تظهر معظم الأثار الناتجة عن ترسُّب الدَّم في الرأس و المنطقة العليا من الصدر. و إذا كانت وضعية الجسم أن يكون الوجه للأسفل أو أن يكون الرأس أدني من باقي أجزاء الجسم، فإن ترسُّب الدَّم سوف يُسبِّب مُشكلة حقيقية في إجراء التفسير. إن ترسُّب الدَّم في الأنسجة الرخوة نسبياً للوجه يمكن أن يؤدي إلى حدوث إحتقان شديد و تكوين لطخات نزفية في الجلد الخاص بالوجه و في ملتحمة العين، مما يُعطي إنطباعاً بإحتمالية وجود ضغط حول العنق. إن المناطق الشاحبة حول الفم و الأنف يمكن كذلك أن تُعطي إنطباعً حول الضغط الذي حدث لهذه المناطق مما يوحي بالإختناق. و في هذه الحالات يجب على أخصائي الأمراض محاولة إستثناء عامل الضغط على الفم و الأنف و العنق و إستبعاد دورها في عملية الوفاة من خلال الفحص المتأني و تشريح هذه الأجزاء عقب إزالة القلب و الدماغ و البحث عن الكشوط و الإصابات في الجهاز الهيكلي.

صورة

تأثير ترسُّب الدَّم بعد الموت على الجثمان

و يتفاوت اللَّون الناتج بسبب ترسُّب الدَّم، و قد يتراوح من اللُّون الزهري إلى الزهري الغامق إلى البنفسجي الغامق. و في بعض حالات إنقطاع الأكسجين تظهر الأنسجة باللون الأزرق. و على العموم، لا يجب محاولة إجراء أي إستنتاج حول سبب الوفاة من خلال هذه الألوان المتباينة. إلا أنه بالرغم من ذلك فهناك بعض التغيرات اللونية التي يمكن أن تعمل كأدلة على السبب المحتمل لحدوث الوفاة. فاللون الزهري الكرزي يوحي بتسمُّم غاز أول أكسيد الكربون. و قد يرتبط اللون الأحمر الغامق مع التسمُّم بمادة السيانيد و الإصابة ببكتيريا Clostridium perfringes.

و بشكل متكرر يظهر على الأجسام المحفوظة في البرادات لون زهري في أماكن ترسب الدَّم. و في حين يُشاهد اللون الزهري الناتج عن ترسُّب الدَّم في ضحايا إنخفاض درجة حرارة الجسم، فقد يظهر لديهم العديد من الصبغ الزهري الأحمر فوق المفاصل و خاصة الكبيرة منها. و إن السبب الدقيق لذلك غير معروف، إلا أن ذلك قد يُمثِّل إصطباغ ناتج عن تحلُّل دموي.

إن الوقت المطلوب كي يتضح ترسُّب الدَّم متباين بشكل كبير لدرجة أن ليس له دور في تحديد وقت الوفاة. كما أن لحركة الجسم دور في ترسُّب الدَّم، إذ تستمر كريات الدَّم الحمراء بالحركة تحت تأثير الجاذبية. و حتى بعد عملية التجلُّط الطبيعي للدَّم التي تحدث عقب الوفاة، فإن حركة كريات الدَّم الحمراء تستمر بالرغم من بطئها الشديد. و إن هذه القابلية المستمرة لكريات الدَّم الحمراء للتحرُّك لها أهميتها، ذلك لأن التغيرات في وضعية الجسم بعد التطوُّر الأولي لترسُّب الدَّم سوف يتسبب في إعادة توزيع ترسُّب الدَّم، و قد يُظهر إختبار جسم المتوفي في هذه الحالات نموذجين متداخلين.

  

تبريد الجسم بعد الوفاة

يمكن النظر إلى تبريد الجسم بعد الوفاة على أنها خاصِّيَّة فيزيائية بسيطة لمادة دافئة في بيئة أبرد. و ينص قانون نيوتن للحرارة أن الحرارة سوف تعبر من الجسم الدافي إلى الوسط البارد، و عليه سوف تهبط درجة حرارة الجسم. بالرغم من ذلك، فإن الجسم ليس تركيباً متجانساً، أي أن درجة حرارته لن تهبط بشكل متساو، و لأن كل جسم سوف يقبع في الوسط الفريد الخاص به، فإن كل جسم سوف يبرد عند سرعة مختلفة، و ذلك إعتماداً على العديد من العوامل المحيطة به. و لكي يتم إستخدام درجة حرارة الجسم كمؤشر على وقت الوفاة، فإنه يجب إجراء ثلاث إفتراضات جنائية:

1-   الإفتراض الأول أن درجة حرارة الجسم وقت الوفاة كانت 37 مئوية. بالرغم من ذلك، فإن العديد من العوامل تؤثر على درجة حرارة الجسم أثناء الحياة، بما في ذلك تباين درجات الحرارة خلال فترة 24 ساعة (التباين اليومي)، و كذلك النشاطات الفردية، و التمارين الرياضية، و الإصابة بالميكروبات، و الدورة الشهرية.

2-   الإفتراض الثاني هو هل من الممكن أخذ درجة حرارة واحدة أو ربما عدد من درجات الحرارة بعد الوفاة بإستخدام صيغة حسابية للحصول على تقدير موثُق به للوقت الذي إستغرقه الجسم كي يبرد لدرجة الحرارة التي تمَّ قياسها؟

3-   الإفتراض الثالث هو هل الجسم قد وُجد في وسط ثابت حراريا؟. و هذا بشكل عام لا يحدث، فحتى الأجسام التي تتواجد في أوساط داخلية محميَّة قد تخضع للتغيرات اليومية لنظام التبريد المركزي. في حين أن الإختلافات في درجات الحرارة التي تؤثِّر على الأجسام الموجودة في العراء كبيرة جداً لدرجة عدم إمكانية الحصول على متوسِّط لهذه الدرجات. هناك العديد من العوامل كذلك التي يمكن أن تؤثر على معدَّل التبريد للجسم؛ و هذه العوامل معاً تُظهر مدى صعوبة إجراء تقدير حول وقت الوفاة إستناداً على درجة حرارة الجسم فحسب.

و من أمثلة العوامل التي تؤثِّر على معدَّل تبريد الجسم:

–         كتلة الجسم

–         المساحة السطحية للجسم

–         درجة حرارة الجسم عند الوفاة

–         المواقع التي تم أخذ درجات الحرارة منها

–         وضعية الجسم- هل هو مُمدَّد أم مُنحني

–         الملابس. طبيعة المادة المصنوعة منها الملابس، وضعية الملابس على الجسم أو عدم وجود ملابس على الجسم.

–         السُّمنة. إذ تعتبر الدهون عازل جيد للحرارة

–         الهزال. فقدان الكتلة العضلية تسمح ببرود الجسم بسرعة

–         درجة حرارة الوسط المحيط

–         الرياح، و الأمطار و الرطوبة

التغيرات الأخرى التي تطرأ على الجسم بعد الموت

و مع مرور الوقت عقب الوفاة، فإن الجسم يخضع للمزيد من التغيرات التي تعكس تحلُّل الأنسجة و عملية التحلل الذاتي و التفسُّخ و التعفُّن.

 

التفسُّخ و التعفُّن

في دورة الحياة، فإن الأجسام الميِّتة في الغالب، من خلال إختزالها إلى مكوناتها الأصلية، تعود إلى مصدرها الكيميائي الأساسي و هو الأرض. بعض هذه المكوِّنات سوف تؤدي ذلك من خلال دخولها السلسلة الغذائية عند أي مستوى، في حين أن مواد أخرى سوف تُختزل إلى مركبات كيميائية أبسط من خلال عمليات التحلُّل الإنزيمي الموجودة داخل الأجسام الحالَّة Lysosomes)) لكل خليَّة.

أن التغيرات المُبكِّرة لعملية تحلُّل الجسم بعد الوفاة لها أهميتها، و ذلك بسبب إحتمالية إشتباه رجال الأمن أو أفراد العامَّة بأن ذلك علامة من علامات العنف أو إصابة مسبِّبة للوفاة.

تنشأ عملية تحلُّل الجسم بسبب تفكُّك مكونات الأنسجة الرخوة مع مرور فترة من الوقت، و التي يكون مظهرها و معدَّل حدوثها هو من مسئولية درجة الحرارة المحيطة. فدرجات الحرارة الأدفأ يُعجِّل بعملية تحلُّل الجسم و يُسرِّع من حدوثها. و في الأوساط المعتدلة، فإنه في الغالب يمكن مشاهدة أثار التحلُّل بالعين المُجرَّدة خلال اليوم الثالث إلى اليوم الرابع من الوفاة كمنطقة خضراء في الحفرة الحرقفيَّة اليُمنى Right Iliac) fossa) لجدار البطن الأمامي. إن عملية الإخضرار هذه ناتجة عن نمو البكتريا المعويَّة خلال جدار الأمعاء مروراً بالجلد حيث تقوم بتحليل الهيموجلوبين، مما يُعطي هذا اللون الأخضر. إن الحفرة الحُرقفيَّة اليُمنى هي المنشأ الغالب لهذا التلوُّن، إذ المصران الأعور  (Cecum) يقع بالقرب من جدار البطن عند هذه النقطة.

إن هذا اللون الأخضر الذي يظهر على الجُثَّة هو دليل خارجي على التغيرات الكبيرة التي تحدث داخل الجسم، حيث تجد بكتيريا الأمعاء طريقها خارج تجويف الأمعاء إلى تجويف البطن و الأوعية الدموية. و تمنح الأوعية الدموية قنوات ممتازة يمكن للبكتيريا من خلالها العبور بنوع من البساطة إلى باقي أجزاء الجسم. و إن مرور هذه البكتريا يُستدل عليه من خلال تحلُّل الهيموجلوبين و الذي عند وجوده في الأوعية الدموية السطحيَّة يؤدِّي إلى حدوث أشكال لتفرعات خيطيَّة متباينة الألوان يُطلق عليها “الترخيم Marbling”.

و مع مرور الوقت يزول لون الجلد، و مع إنفصال الطبقات السطحية للجلد تتكوَّن بثور تحتوي على سوائل حمراء أو بُنِّية اللون في مناطق عديدة. و عند إنفجار هذه البثور يتساقط الجلد. و يتكوَّن الغاز بكميات كبيرة في الأنسجة الرخوة و في تجويف الجسم، و يبدأ الجسم بالإنتفاخ مع حودث الإنتفاخ في منطقة البطن و الوجه و الأثداء و المنطقة التناسلية. و إن زيادة الضغط الداخلي سوف يتسبب في بروز العيون و اللسان و يدفع السوائل المصبوغة بالدَّم أعلى من الرئتين و التي ترتشح في العادة من خلال الفم و الأنف. و بشكل متكرِّر من الممكن إساءة تفسير مثل هذه السوائل من قِبَل الأفراد غير ذوي الخبرة و ربطها بالتغيرات المرتبطة بتحلل الجسم، و تفسير هذه الأحداث على أنها نزف دموي مرتبط بالتعرُّض للإصابة.

و مع تقدُّم عملية تفسُّخ الجسم تبدأ الأنسجة الرخوة بالتحلُّل. بالرغم من ذلك فإن البروستاتا و الرحم أعضاء مقاومة نسبياً لعملية التحلُّل، و ربما تبقى هذه الأعضاء حيَّة لعدة أشهر كما هو الحال بالنسبة للأربطة و الأوتار. و في خاتمة المطاف، فإن عملية الهيكلة العظمية سوف تكتمل. و مالم يتم تدمير العظام من قبل الحيوانات، فقد تبقى العظام لسنوات عديدة.

ليس من الممكن بناء جدول زمني لعملية التحلُّل و ذلك يعود إلى تباين الظروف البيئيَّة التي قد تُسرع أو تُبطيء من عملية التحلُّل، و إن مثل هذه العوامل لن تكون بالعموم معلومة لأولئك الأفراد الذين يعملون على التحقُّق من عملية الوفاة.

الغمر بالماء و الدفن

إن غمر الجُثَّة بالماء أو دفنها سوف يُبطيء من عمليات تحلُّلها. و ينُص قانون كاسبر (Casper`s law) على أنه عند تساوي جميع العوامل الأخرى و عندما يكون هناك عبور حرّْ للهواء، فإن الجسم يتحلَّل مرتين أسرع فيما إذا تم غمره في الماء و ثمانية مرات أسرع فيما لو تم دفنه في الأرض. إن درجة حرارة الماء- في الغالب- أقل من تلك على اليابسة. و قد يتَّخذ الجسم في الماء عدة أوضاع، إلا أن الوضع الأكثر شيوعاً في المرحلة المبكرة هو، مع وجود الهواء في الصدر، أن يطفوا الجسم أعلى سطح الماء بحيث يكون الراس و الأطراف متدلِّية لأسفل. بعد ذلك تبدأ عملية ترسيب كريات الدَّم و تظهر أثارها على الرأس و الأطراف. و قد تتعرض هذه الأطراف للضرر عند إحتكاكها بالقاع إذا كانت المياه ضحلة.

إن أول التغيرات التي تؤثر على الجثامين المتواجدة في المسطحات المائية هو فقدان الطبقة الخارجية للجلد. يعقب ذلك التحلل الناتج عن تكوُّن الغازات في الجسم. و في العادة، و لكن ليس دائماً، فإن الجسم المنتفخ يبقى على سطح الماء بسبب هذه الغازات المتواجدة بداخله لحوالي الأسبوع. إلا أن هذه المدَّة تتباين بشكل كبير. و في المياه سوف تُستبدِل الحيوانات البرِّيَّة (في حال الجثث الموجدة على اليابسة) بالكائنات المائية المفترسة، و لهذه الكائنات القُدرة على تدمير الجسم بشكل كبير.

إن تعرُّض الجُثثْ للماء قد يؤدِّي في بعض الأحيان إلى تكوين موميات دهنية، إلا أن ذلك غير غالب مالم يكن الجسم تحت الماء لعدة أسابيع. و إن التأثيرات و الجدول الزمني للتغيرات التي تعقب عملية الدفن متباينة بشكل كبير و القليل يمكن قوله، بجانب أن الأجسام المدفونة تتحلل بشكل أبطأ عموماً، خاصَّة إذا تم دفنها عميقاً تحت سطح الأرض. و إن مستوى الرطوبة في التربة المحيطة و درجة حموضة التربة سوف يؤثر كلاهما بشكل كبير على سرعة تحلُّل الجُثث.

التحنُّط الدُهني Adipocere

التحنُّط الدهني هو تغيُّر كيميائي لدهون الجسم و التي تتحلَّل مائياً لتتحوَّل إلى مركبات شمعية ليست مختلفة عن الصابون. إن الحاجة لوجود الماء يعني أن هذه العملية تُشاهد بشكل شائع في الأجسام المتواجدة في الأوساط الرطبة (مثل الأجسام المغمورة في الماء أو المدفونة في أرضية رطبة)، إلا أن ذلك لا يحدث دائماً. إذ أن بعض الأجسام المتواجدة في الأقبية الجافَّة وُجدت على شكل أجسام دُهنية محنَّطة. و من المُعتقد أن كمِّيَّة الماء الموجودة في الجسم كانت هي بذاتها كافية لعملية التحلُّل المائي للدهون.

و في المراحل المبكِّرة لتكوُّن الموميات الدهنية فإن هذه الأجسام المُحنَّطة تكون شاحبة اللون و دهنية و ذات رائحة زنخة و تتكون من مادة شبه سائلة مع إنبعاث رائحة كريهة من الجُثَّة. و عن تقدُّم عملية التحلُّل المائي فإن مواد الجسم تُصبح أكثر هشاشة و أكثر بياضاً، و عندما تكتمل عملية التحنُّط الدهني للجُثَّة يتحوَّل لون الجُثَّة المُحنَّطة إلى اللُّون الرمادي و تصبح قاسية شمعية التكوين و تحتفظ بكامل ملامح الجسم.

إن السرعة التي تتكون فيها الموميات الدهنية تبدوا متباينة. و من المتوقع أن يستغرق ذلك في الغالب عدة أسابيع إلى عدة أشهر. إلا أن هناك تقارير تفيد بأن عملية التحوُّل هذه قد حدثت في فترة قصيرة بلغت ثلاثة أسابيع. و إذا كانت الظروف مواتية، فإن عملية التحنُّط الدهني يمكن أن تحدث كذلك للأجسام التي تقبع في أماكن يحدث فيها التعفُّن.

التحنيط (Mummification)

إن الأجسام التي تتواجد في ظروف جافَّة، سواء أكان ذلك جفاف الطقس أو جفاف في مكان تواجد الجثمان، قد تجفّْ بدلاً من أن تتعرض لعملية التعفُّن، العملية التي تُعرف بالتحنيط. إن الأنسجة المُحنَّطة تبدوا جافة و متجلِّدة و غالباً بُنِّيَّة اللون. و يُشاهد تكوُّن هذه الأجسام بشكل أكثر شيوعاً في البيئات الدافئة أو الحارة مثل الصحاري. و هذا أدَّى إلى تحنيط ذاتي للأجسام التي دُفنت في صحراء مصر. بالرغم من ذلك، فليس فقط الأجسام المتواجدة في المناطق الحارة الجافَّة هي التي يمكن أن تتعرض لعملية التحنيط، إذ أن الوسط الدقيق حول الجثمان الضروري لعملية التحنيط قد يتواجد في أي مكان. بالرغم من ذلك، فإن عملية التحنيط أكثر إحتمالية لحدوثها في الأفراد الأنحف الذين سوف تبرد أجسامهم و تجف بشكل سريع.

و ليس من الضرورة أن تتم عملية تحنيط الجثة على جميع أجزاء الجسم. فقد تُظهر بعض أجزاء الجسم عملية التحلُّل الطبيعيَّة التي تحدث للأنسجة الرخوة و يظهر الهيكل العظمي أو تتكوَّن المومياء الدهنيَّة، وهذا كله يعتمد على الظروف المحيطة بالجثمان. إن الأنسجة التي تعرضت لعملية التحنيط ليست بمنأى عن عملية التحلُّل و التعرُّض للحيوانات القارضة و الخنافس و حشرات العثّْ، و بشكل خاص عثّْ المنزل البُنِّي في المناطق معتدلة المناخ.

ظهور الهيكل مي العظSkeletalization

إن السرعة التي تظهر فيها الهياكل العظمية للجثث تعتمد على العديد من العوامل بما في ذلك الظروف المناخية و الأوساط المحيطة بالجثامين. و سوف يتطلَّب ظهور الهياكل العظمية وقت أقَل في الأجساد الموجودة على سطح الأرض من تلك الأجساد الموارة في التراب. و بكلمة عامَّة، ففي الأجسام المدفونة بشكل رسمي، فإن الأنسجة الرخوة سوف تختفي من الجسم في السنة الثانية. و إن الأربطة و الأوتار و الشعر و الأظافر سوف يمكن التعرُّف عليها لبعض الوقت بعد ذلك. و بعد خمس سنوات من عملية الدفن سوف تتعرى كامل العظام و تتفكك بالرغم من وجود بعض الأربطة المفصلية لعدة سنوات أخرى. و لعدة سنوات، فإن العظام سوف تبدو دهنية بشكل بسيط و إذا تم قطعها بالمنشار قد تظهر خصلة من الدخان تحمل رائحة إحتراق لمواد عضوية. و إن فحص تجويف نخاع العظم قد يُظهر بقايا مواد عضوية و التي قد تكون في بعض الأحيان مناسبة لتحليل المادة الوراثية (DNA).

صورة

               صورة توضِّح تكوُّن الهيكل العظمي

إن إختبار السطح المقطوع من العظام الطويلة تحت الأشعة فوق البنفسجيَّة (UV) قد يُعزِّز من القدرة على تحديد فترة دفن الجثمان. إذ أن هناك تغيرات في نماذج وميض الأشعة مع مرور الوقت. إن تحديد عمر العظام، كما هو الحال مع تحديد الوقت الذي إنقضى على الوفاة، يترافق مع صعوبات. إذ أن للوسط الذي وُجدت فيه العظام أهمِّيَّة كبيرة، و إن تحديد عمر عظام الأجساد هو موضوع بحث تخصُّصي في الوقت الحاضر. و إذا وُجد شك في النتائج المتحصَّل عليها من فحص العظام، فإن على الطبيب الشرعي أو من يقوم مقامه الإستعانة بعلماء الأثار و علماء تطوُّر الكائنات الذين لديهم المهارات الخاصة و التقنيات اللازمة للتعامل مع هذا النوع من المواد، أي العظام.

إن تحديد عمر عظام الجثامين بإستخدام كربون 14 المُشع ليس له مكان في تحديد الفترات الزمنيَّة القصيرة. إلا أن قياس مستوى عنصر السترونشيوم 90 الذي تم إطلاقه في الجو بكميات مرتفعة عقب تفجير القنابل النووية في أربعينات القرن الماضي قد يسمح بتميز العظام التي وُجدت قبل تلك الفترة و بعدها.

الإصابات و الأضرار التي قد تتعرض لها الأجساد بعد الموت

إن الأجساد الميِّتة ليست بمنأى عن التعرُّض للضرر، و يمكن أن تتعرض لمدى واسع من الإصابات. و من الضروري إستحضار هذه الإحتمالية في الذهن عند فحص الجثامين، و بالتالي كي لا يتم الخلط بينها و بين الإصابات التي تم التعرُّض لها أثناء الحياة.

إن التعرُّض للحيوانات الضارية التي تعيش على اليابسة و الحشرات يمكن أن تتسبب في حدوث أضرار بالغة للجُثَّة. و إذا كان هنالك شكّْ حول طبيعة العلامات الناتجة عن التعرُّض للعضّْ، فإنه يجب الإستعانة بأخصائي في علم الأسنان. و في الماء، فإن الأسماك و القشريات و الحيوانات الكبيرة يمكن كذلك أن تتسبب في أضرار بالغة، إلا أن هناك الأضرار المُضافة الناتجة عن سقوط الجلد و حركة الجسم عبر القاع. و إن إحتكاك الجثث المتواجدة في المسطحات المائية مع القوارب و مراوح الدفع الخاصة بها سوف يؤدي عموماً إلى مظاهر مُعيَّنة من الأضرار التي يمكن بسهولة التعرُّف عليها.

و ليس من الصحيح القول أن الإصابات التي تحدث بعد الوفاة لا تؤدي إلى حدوث نزف دموي، لأن العديد من الجٌثث يرتشح منها الدَّم خاصة الأجسام التي يتم إنتشالها من الماء. إن عملية تأكيد حدوث الجرح عقب الوفاة قد تكون بالغة الصعوبة لأن الأضرار أو الإصابات التي حدثت في الدقائق الأخيرة من الحياة، و تلك التي حدثت بعد الوفاة مباشرة قد تبدو متشابهة تماماً. و بالعموم، فإن الإصابات الحاصلة بعد الوفاة ليس لها حافة لإستجابة إلتهابية مبكِّرة في حواف الجروح، إلا أن فقدان هذه الإستجابة لا يستثني حدوث الضرر في اللحظات الأخيرة من الحياة.

تقدير الفترة التي إنقضت بعد الوفاة

عادة ما يتم سؤال الطبيب الشرعي أو الأخصائي الجنائي عن الفترة الزمنية التي إنقضت على الوفاة (PMI) إستناداً على المُعطيات المرضية. و في حين لا يمكن لأيٍ من التغيرات الحاصلة بعد الوفاة تقديم أي دليل قطعي على الفترة التي إنقضت بعد الوفاة، فإن أكثر هذه التغيرات مصداقية ترتبط بإنخفاض درجة حرارة الجسم بعد الموت.

درجة حرارة الجسم

يتم بشكل تقليدي الحصول على درجة حرارة الجسم من خلال إستخدام مقياس زئبقيَّة (0-50 درجة أعتبر كافياً لقياس درجة الحرارة). بالرغم من ذلك، فإن هناك مشاكل تظهر مع إستخدام هذا النوع من مقاييس درجة حرارة الجسم. و ذلك لأن التداخل مع فتحة الشرج أو المستقيم (التي تؤخذ منها درجة حرارة المتوفي) قبل إستكمال الفحص الجنائي للمنطقة قد يُشوِّش أو يعمل على تلويث عملية التحقيق التالية لوجود مواد حيوية كالمني أو الدَّم أو الشعر. و إن تطوير مسبار قياس حرارة إلكتروني صغير الحجم ذو قدرة على الإستجابة السريعة أدى إلى حدوث ثورة في قياس درجات حرارة الجسم. و قد سمحت هذه الأجهزة الحديثة بإستخدام منافذ أخرى في الجسم لأخذ قياس درجات الحرارة بما في ذلك فتحات الأنف و الأذن، بالرغم من ضرورة الإنتباه إلى أن هذه المناطق من غير المتوقع أن تعطي نفس درجات الحرارة كما هو الحال في داخل المستقيم أو الكبد.

هناك حاجة لمعرفة درجة حرارة الوسط، إلا أن ذلك محاط بالعديد من العقبات، و ذلك لأنه من النادر أن يكون الطبيب الشرعي أو المحقِّق الجنائي متواجداً في الموقع لتسجيل ذلك وقت إكتشاف الجُثَّة، و حيث أن وصولهم إلى الموقع يأتي متأخراً في العادة لعدة ساعات أحياناً، فإنه من غير المحتمل أن تكون درجة الحرارة عند ذلك الوقت مازالت كما هي. و لذلك، يجب على أول الأفراد الوافدين من رجال الشرطة أو أخصائيِّ تجميع الدلائل إلى مسرح الواقعة أن يقوموا بتسجيل درجة حرارة المنطقة المحيطة بالجسم و تسجيل وقت الحصول على درجة الحرارة. إن التغيُّر 5 درجات في مستوى حرارة الوسط المحيط قد يؤدِّي إلى تغيُّر مقداره ساعة على الأقل في توقيت إحتمال حدوث الوفاة.

إن إستخدام الوسائل البيوكيميائية بما في ذلك تحديد مستوى البوتاسيوم في الجسم الزجاجي للعين و مستوى التغيرات في الإنزيمات و مستوى الإلكتروليتات (الأملاح الأيونية) في الجسم لتحديد فترة الوفاة لم تلق نجاحاً كوسائل روتينية لهذا الغرض.

 

التقنيات الأخرى المستخدمة في تحديد الفترة المنقضية بعد الوفاة

إن أحد المجالات الهامة التي لها أهمية كبيرة في الطب الجنائي هو علم الحشرات الجنائي، و الذي من خلاله يمكن تحديد الوقت المحتمل لحدوث الوفاة و ذلك من خلال فحص تجمعات الحشرات و مراحل تطوُّر هذه الحشرات التي تغزو الجثمان. و بداية يتواجد الذباب اللاحم (أكل اللحم Sarcophagus) و يُمثله الذباب الأزرق Calliphora و الذباب الأخضر Lucilla إضافة إلى الذباب المنزلي Musca، حيث يضع الذباب بيضه في المناطق الرطبة من الجثَّة خاصة العيون و الفم و الأنف و كذلك فتحة الشرج و الأعضاء التناسلية في حالة إنكشافها. يفقس البيض إلى يرقات، و التي تنمو و تتخلَّص من جلدها لعدة مرات، و يُطلق على كل عملية إنسلاخ مصطلح “طور”. و أخيراً تتحوَّل اليرقات إلى خادرات و من ثم تخرج الحشرات المُجنَّحة. إن الوقت المنقضي من لحظة وضع البيض مروراً بالأطوار اليرقيَّة إلى مرحلة الخادرة يعتمد على نوع الحشرة و درجة حرارة الجو المحيط. و لكن بشكل عام، تأخذ هذه المراحل حتى إكتمالها حوالي 21-24 يوم.

حيوانات أخرى صغيرة و كبيرة سوف تصل إلى الجُثَّة لتقتات عليها. و إن نوع هذه الكائنات و سرعة وصولها إلى الجُثَّة يعتمد على الوقت خلال السنة و البيئة المحيطة. إن فحص الأجسام المدفونة أو البقايا العظمية سوف يحتاج في الغالب إلى أصحاب مهارات متخصِّصين في علم الأمراض الجنائي و علماء الأنثروبولوجي و أخصائيِّ الحشرات.

إن تحليل محتويات المعدة – ليس بهدف فحص السموم- قد يُساعد أحياناً في عمليات التحقُّق، حيث يتم التعرُّف من خلال هذا الفحص على مكونات الطعام التي يمكن أن تدعم أو تدحض الدلائل الأخرى التي تقترح تناول وجبات معينة في وقت ما؛ إلا أنه لا يمكن إستخدام هذا الفحص لتحديد وقت الوفاة بدقَّة. و من الضروري، عندما يكون تحديد وقت الوفاة مسألة هامة، أن يتم إستخلاص جميع مكونات المعدة لتحليلها لاحقاً.

 Ahmed Mustafa Kamal Al-Bawab

Le_bawab@yahoo.com

Bawaba@ksau-hs.edu.sa